Sunday, April 29, 2007

مليون حاج يصلون سنويا إلى "مكة الأفريقية"


كتب: أحمد بلال

جسم نحيل يرتدي عباءة بيضاء, و وجه ملامحه أفريقية سوداء مغطى جزء منه بشال أبيض, تلك هي الصورة التي ستقابلك في كل مكان في السنغال, المواصلات العامة, المتاجر و الشوارع, إلخ .., الرجل هو "أحمدو بامبا" مؤسس الطريقة الصوفية السنغالية التي تعرف باسم "المريدية".
و الصوفية جزءا أساسيا في ثقافة الشعب السنغالي, و هناك ثلاث طرق مشهورة في السنغال, الطريقة "القادرية", و برغم أنها هي الأقدم إلا أنها الأقل إتباعا, الطريقة "التجانية ", و هي طريقة صوفية تأسست في الجزائر, و انتشرت في معظم دول غرب أفريقيا, و الطريقة "المريدية", و هي أكثر الطرق انتشارا في السنغال, بل أن انتشارها وصل إلى دول أخرى, و هي الطريقة الوحيدة في السنغال التي تأسست على يد شخصية سنغالية.
محمد بن محمد بن حبيب الله, أو "أحمدو بامبا" كما يطلق عليه "المريدون", أو "خادم الرسول" كما كان يحب أن يطلق على نفسه, ولد سنة 1855 في قرية "مباكي باول", عمل بالتعليم, و ألف العديد من الكتب في مجالات مختلفة مثل الفقة, التربية و علوم اللغة, بدأ الشيخ في الدعوة لطريقته في بداية القرن الرابع عشر الهجري, و لقيت دعوته استجابة واسعة من العديد من القبائل في السنغال, الأمر الذي أثار تخوف الاستعمار الفرنسي من اتساع رقة نفوذ الشيخ "أحمدو بامبا", فنفاه الفرنسيون إلى الجابون, ليعود "بامبا" بعد سبع سنوات, و لكن سرعان ما يتم نفيه مرة أخرى بعد استئناف نشاطه, حيث قام 150 عسكريا بالهجوم على مقره و اعتقاله, ثم نفيه إلى موريتانيا.
و قد نسج أتباع الشيخ الكثير من القصص الخيالية التي تتحدث عن كراماته و الخوارق التي قام بها, في محاولة لمجاراة الطرق الصوفية الأخرى التي تعتمد على "كرامات" شيوخها في الانتشار, و ذلك بالرغم من أنه تراث "أحمدو بامبا" المكتوب لم يتحدث مطلقا عن تلك الكرامات, و قد يكون السبب في ذلك أن "بامبا" كتب كل مؤلفاته باللغة العربية في مجتمع بتحدث الفرنسية.
الطريقة الصوفية التي أسسها "أحمدو بامبا" و أطلق عليها "المريدية", عبارة عن مجموعة من الشعائر الدينية و قواعد سلوكية مستمدة من الصوفية, و تتلخص في ثلاث مسارات, الكسب, و هو كسب الرزق اليومي, المجاهدة, و هي مجاهدة النفس, و الخدمة و هي خدمة أهل الشريعة.
و ينتشر أتباع هذه الطريقة في كافة مجالات الحياة في السنغال, و منتظمين في جمعيات اجتماعية و في الأحزاب السياسية, بل أن الرئيس السنغالي الذي تم انتخابه مؤخرا "عبد الله واد" ينتسب لهذه الطريقة, و لكن تبقى التجارة هي المجال الأكبر الذي يشتغل به معظم "المريدون".
و قد تعزز الدور الاجتماعي لهذه الطريقة نتيجة الأعمال المشتركة التي يقوم بها "المريدون" بين بعضهم البعض, بشكل يوحي إليك أن "المريدية" ليست طريقة صوفية بقدر ما هي إحدى منظمات المجتمع المدني, حيث تساعد الشباب غير القادر على الزواج, و يعالجون غير القادرين, و يقومون بالصلح بين الناس, حيث يتدخل الشيخ لفض النزاع, و تكون أحكامه نافذة عن أي قرار يصدر من أي محكمة, بالإضافة إلى البنوك غير الرسمية التي تديرها "المريدية" بأسلوب خاص, يثق فيها المواطنون ثقة لا تتوافر حتى للبنوك الرسمية.
و تأكيدا على هذا الدور الاجتماعي الذي يقوم به أتباع الطريقة "المريدية" في السنغال, أعلن الخليفة الحالي للطريقة, ساليو مباكي, و هو آخر أبناء "أحمدو بامبا", في 2 مارس 2006, أنه سيقوم بتعبيد 2000 كلم من الطرقات لتسهيل حركة المرور داخل مدينة "توبة", و أعلن أنه خصص 10 مليار فرنك أفريقي لبناء عدد من ا لمشاريع بالتنسيق مع الدولة, مع التأكيد على أن مدينة "توبة" لن تبنى إلا بالإمكانيات التي يوفرها "المريدون" دون سواهم.
و مدينة "توبة", حاضرة "المريدية", هي المدينة التي أسسها "أحمدو بامبا" لتكون مركزا لدعوته, و تحولت بعد وفاته إلى ما يشبه المدينة المقدسة, و ازدهرت على يد خلفائه حتى أصبحت تضاهي العاصمة داكار, تحولت إلى أحد أهم المراكز الاقتصادية في السنغال, بل أن بنيتها التحتية هي الأهم بعد العاصمة داكار, و ازداد عدد سكانها حتى بلغ حاليا نصف مليون مواطن.
و يتوافد على "توبة" التي يصفها البعض بأنها "مكة الأفريقية", مئات الآلاف سنويا من "المريدين" من مختلف مناطق السنغال, و الدول المجاورة, إحياء لذكرى عودة "أحمدو بامبا" من منفاه, و تؤكد آخر الإحصائيات أن عدد الحجاج الذين وصلوا إلى "مكة الأفريقية" هذا العام بلغ مليون حاج.
و برغم أن الطرق الصوفية تشتهر بإقامة احتفال سنوي في ذكرى مولد شيخها, إلا أن "المريدية" حافظت على تفردها بإقامة هذا الاحتفال الذي يسمى بـ "مجل توبة" أو "الحج العظيم" بلغة الولوف السنغالية, في ذكرى عودة شيخها من منفاه و ليس ميلاده, و هو ما يحمل دلالات سياسية واضحة, حيث عرف عن "أحمدو بامبا" معاداته الشديدة للاستعمار الفرنسي".

يحدث في مصر الآن!!


أحمد بلال

أقامت مؤسسة مركز الفجر في مقرها المركزي بالمحلة الكبرى, يوم الجمعة الماضي ندوة بعنوان "يحدث في مصر الآن", تحدث فيها الأستاذ أحمد بهاء الدين شعبان, القيادة بحركة كفاية, و قدمها الأستاذ عاطف الجبالي رئيس مؤسسة مركز الفجر, الذي تحدث بشكل عام عن أهم القضايا التي تهم المواطن المصري كالبطالة, الفساد, قمع حرية الرأي و الفكر, التعذيب داخل أقسام الشرطة, الفساد الحكومي, فساد أجهزة الأمن, اتجار الشرطة بالمخدرات, تلفيق الاتهامات للمواطنين و تفتيش جيوبهم في أقسام الشرطة.
القضايا التي طرحها الجبالي بشكل عام, تحدث فيها أحمد بهاء الدين شعبان بشكل تفصيلي, مؤكدا على أهمية "توحيد جهود الفاعلين في المجتمع و طرح خيار المقاومة كخيار وحيد لإسقاط هذا النظام الجائر الذي استشرى فساده و نهب ثروات الوطن", و أكد أن من يحكم مصر الآن هم "عصابة من اللصوص".
قضية التعديلات الدستورية لم تستغرق وقتا طويلا من الأستاذ أحمد بهاء شعبان في طرحه برغم كونه المتحدث الرئيسي في الندوة, حيث اكتفى شعبان بالتأكيد على أنها "تمثيلية هزلية", و أن "المشاركة في تلك التعديلات هي جريمة من جرائم أي سياسي".
و تحدث حمدي قناوي, من نشطاء كفاية بمحافظة الدقهلية, عن ضرورة حشد جهود العمال و الفلاحين و الطلاب في أشكال مقاومة لمقاومة فساد السلطة, و أضاف أن أفضل شعار سياسي مرفوع في مصر حاليا هو شعار حركة كفاية رغم المعوقات التي تواجهها, و عن فلاحين كفر العبايدة تحدث محمد عطا عن مشاكل الفلاحين بشكل عام و الفلاحين في قريته "كفر العبايدة" بشكل خاص, مؤكدا على وجود تواطؤ حكومي مع جمال الأميري وكيل عائلة راتب التي تدعي ملكية أراضي القرية.
أبسط الكلمات و أكثرها تأثيرا كانت كلمة العامل محمد عمر, أحد نشطاء مركز الفجر بالمحلة الكبرى حيث قال "أنا عامل محلاوي, بعاني زي كل الفقرا ما بيعانوا, بعاني من الفساد الحكومي في المحليات و أجهزة الدولة, بعاني من التعذيب في أقسام و مراكز الشرطة و القبض العشوائي, و المعاملة السيئة من الشرطة, و تلفيق الاتهامات للأبرياء, و تفتيش جيوبي لما اروح أعمل محضر في قسم شرطة, بعاني من حصار البوليس للنشاط السياسي, بعاني من انهيار الخدمات و المرافق الأساسية, بعاني من عدم تشغيل أبنائي الخريجين من الجامعات المصرية", و أضاف عمر "عشان كده بحلم زي كل الناس, نهد و نقيم من جديد بلاد بلا سجن و لا جلاد, بلاد بلا سادة أو عبيد".
و تركزت مداخلات القاعة على الاستبداد السياسي في مصر, و أهمية مواجهة الفساد و مخطط التوريث, كما تناولت القاعة قضية التعديلات الدستورية بتهكم شديد على اعتبار أنها "تمثيلية هزلية" على حد قولهم, و اتفق الجميع على ضرورة نسيان الانتماءات الحزبية في الفترة الحالية لأن الشعب المصري أبقى من أي حزب.
الأستاذ عاطف الجبالي رئيس مؤسسة مركز الفجر أكد لـ"ولاد البلد" أن هذه الندوة تأتي في إطار موسم ثقافي كامل بعنوان "يحدث في مصر الآن", يتم خلاله عقد ندوة كل أسبوعين, لتعاطي القضايا الساخنة التي تهم قطاعات واسعة من الشعب المصري, و ذلك للتفاعل مع الجماهير في قضاياها اليومية, مؤكدا أن "الهموم اليومية التي يعيشها المواطن المصري, تحتاج إلى ندوات و مؤتمرات كل لحظة للحديث عنها و ليس فقط ندوة كل أسبوعين", و أضاف أن "هذه الهموم لا حصر لها, و تواجه المواطن في كل لحظات حياته و في كل مكان حتى في بيته".
يذكر أن مؤسسة مركز الفجر, هي مؤسسة تكونت باندماج عدد من المنظمات غير الحكومية العاملة في مجالات حقوق الإنسان المختلفة, سواء السياسية أو المدنية, الاقتصادية, الاجتماعية و الثقافية, و هي مركز الدراسات العمالية و الخدمات الاجتماعية, مركز الفجر لحقوق الإنسان, برنامج مناصرة حقوق الإنسان, بالإضافة إلى مركز الفجر للدراسات و البحوث و النشر.

يعني إيه كلمة وطن !!!؟

نشر بموقع عشرينات
كتب: أحمد بلال

إني اخترتك يا وطني
حبا و طواعية
إني اخترتك يا وطني
سرا و علانية
إني اخترتك يا وطني
فليتنكر لي زمني
يا وطني الرائع يا وطني
بهذه الكلمات التي كتبها الشاعر الفلسطيني محمود درويش تغنى مارسيل خليفة، و هي ليست الأغنية أو القصيدة الوحيدة في تراثنا و فننا العربي التي تتغنى للوطن أو لأمجاد الوطن، فالوطن كلمة عزيزة على قلب كل إنسان، يتغنى له الفنانون، و يتبارى السياسيون في الدفاع عنه في خطبهم السياسية، و يدفع الكثيرين من حياتهم ثمنا لحريته في سجون و معتقلات النظام، و يدفع آخرون حياتهم كلها ثمنا لحريته فتهون دمائهم في سبيل حرية الوطن، و لكن هل سأل أحدنا نفسه من قبل .. يعني إيه كلمة وطن !!!!؟

لكل منا تعريفه الخاص للوطن .. و الذي إن دل على شيء فإنما يدل على أن لكل منا وطنه، ففي وجهة نظر البعض الوطن هو اللغة و آخرون يرونه في الحبيب أو الحبيبة و غيرهم يرونه في الأهل أو التاريخ أو الجغرافيا أو الثروة أو .. أو .. أو .. إلخ، و يختلف تعريف الوطن من شخص لآخر .. فالوطن من وجهة نظر الثائر يعرفه جيفارا في مقولته "أينما وجد الظلم فذاك هو وطني" و من وجهة نظر الشاعر يعرفه محمود درويش قائلا "الوطن ليس صنما يعبد لذاته .. و لكنه يعشق على قدر ما يعطي من كرامة و حرية و أمان".

الفقراء و الغلابة
و عندما طرحنا عليكم السؤال .. يعني إيه كلمة وطن !!!؟ .. كانت هذه التعريفات التي قد تتفق أو تتشارك أو تختلف مع التعريفات السابقة، محمد عبد الرؤوف الطالب في كلية الآداب بكفر الشيخ، عرف لنا الوطن قائلا "هو المكان اللي بنعيش فيه .. و اتولدنا و اتربينا فيه .. يعني أنا أول ما بسمع كلمة وطن، بييجي في خيالي الفقراء و الغلابة و الحياة البسيطة الصورة اللي في ذهني من و انا صغير اللي مشفتش غيرها .. اسمع خطب الرئيس جمال عبد الناصر و انت تلاقي معنى للكلمة دي"

الميلاد و النشأة
أما صديق شلبي فيعرف لنا الوطن قائلا "مكان ولدت فيه و أنتمي إليه .. له حدود.. و شعب له لغة و عادات و تقاليد .. و دستور بينظم العلاقة بين الشعب و السلطة و قوانين يجب أن تحترم"، و هناك من يرى أن مكان الميلاد ليس وطنا بالضرورة مثل محمد شريف المعيد بكلية العلوم بجامعة طنطا فيقول عن الوطن"هو المكان الذي تشربت بعاداته و تقاليده و انتميت إليه و عشت فيه، مش شرط أكون ولدت فيه أو أحمل جنسيته"، أما محمود سمير بكالوريوس تجارة فيشترط في الوطن الميلاد و النشأة و الانتماء "الأرض التي ولدت بها و نشأت فيها و أنتمي إليها .. لها حدودها الطبيعية و حدود داخلية في خيالي، لم أختاره و لم يختاره لي أحد .. أجد فيه كياني و أتمنى تحقيق ذاتي و طموحاتي فيه و من أجله .. وطني وجودي و حياتي و دمي و انتمائي"

و تستمر التعريفات المختلفة للوطن .. فيقول مجمد جمعه الطالب بكلية التربية "الوطن مكان يحس فيه الفرد بالراحة و الطمأنينة و السعادة و الأمان من خلال علاقاته بأفراد المجتمع أو بالسلطة .. مكان ينتمي إليه الفرد سواء أكان داخل الوطن أو خارجه"، أما هند الحريري فترسم لنا الوطن في لوحة جميلة قائلة "الوطن روح و أرض و سكن .. ريحة الهوا و لون التراب و الشارع .. و ملوحة العرق على جلدك و الشمس "لافحاك" .. و حضن حنين يضمك ساعة الألم .. و إيد "جدعه" تسندك و توقفك تاني على حيلك لما تقع .. مكان تلاقي نفسك فيه و تحن إليه .. و يديلك و تديله"
شجون الوطن
داليا شعير .. و حديث ذو شجون عن الوطن .. أو بمعنى أدق الوطنين .. وطن الميلاد .. و وطن النشأة "الوطن يعني انت إيه و مين و فين..كل اللي بعمله يكون له تقديره و قيمته .. الوطن يعني إنسان بنبض قلب حي .. فيه الوفاء والإخلاص والتضحية الحقيقية لأنه بيديلنا من غير حدود زي ما بنوهب له دمنا لو بس شاور لنا" و ترى داليا التي قضت 17 عاما من عمرها في الكويت، أنها أتعس إنسانه في الدنيا بسبب الوطن فتقول "أنا اتحرمت من حضن وطني الأصلي بدون ما يتاخد رأيي وأنا صغيرة فكبرت غريبة عنه و اتحرمت من حضن وطني التاني كبيرة و برضه غصب عني .. العيب مش في المكان ولا الأرض ولا الزمان .. لكن العيب في أيادي بتحدد فين، ازاي، امتى و مين".

وطن الحلم و الواقع ... و التكية.

"الوطن يعني تكية .. كل واحد يدخلها يشفط اللي هو عايزة و يمشي" بهذه الكلمات القليلة عرف لنا محمد النجار بكالوريوس هندسة الوطن من وجهة نظره، و قد يكون هذا التعريف الذي قاله محمد هو تعريف عن وطن "الواقع"، و يتفق معه في ذلك محمد فتحي، مدرس، فيقسم الوطن إلى وطنين وطن الحلم و وطن الواقع قائلا "وطن الحلم هو حدود مصانة .. أسره تعمل و تشارك .. مستقبل آمن بلا قلق، أما وطن الواقع فهو حدود مخترقة .. أسره مهانة مقموعة .. مستقبل ضبابي العلم به لا نملكه و لكن يملكه المستعمرون و الطامعون".
و تتواصل التعريفات المختلفة أو المتفقة أو المتشابهة للوطن دون انقطاع .. فهناك من يرى الوطن الذي يحلم به و يتمناه، و هناك من يرى الوطن "التكية" الذي يعيشه واقعا .. و هناك يرى وطن الحلم و الواقع معا.

مظاهرات اليونان .. بالنكهة العربية

نشر بموقع عشرينات
أحمد بلال

17 مارس هو اليوم العالمي للتظاهر ضد الاحتلال الأمريكي للعراق, في هذا اليوم تخرج المظاهرات من كل المدن الكبرى في العالم منددة بالجرائم التي ترتكبها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في العراق, حتى في تلك الدول التي يقود زعمائها الحرب, تخرج من مدنها الكبرى مظاهرات حاشدة إن لم يكن أكبرها على الإطلاق على مستوى العالم.
و في أثينا, مدينة الحضارة و الفلسفة, خرجت مظاهرة شعبية حاشدة في الذكرى الرابعة لغزو العراق, مثلها مثل مدن كثيرة في العالم, دعا إليها تحالف أوقفوا الحرب في اليونان, و هو تحالف سياسي يتكون من النقابات, الأحزاب الاشتراكية و الشيوعية, التنظيمات الطلابية, و أبناء الجالية العربية و الباكستانية.
مظاهرة أثينا, انطلقت من ميدان "سيداغما", و هو أشهر الميادين في اليونان على الإطلاق, و "سيداغما" كلمة يونانية تعني الدستور, و تسمية ميدان "سيداغما" بهذا الاسم ترجع الثورة الشعبية التي اندلعت في اليونان عام 1843 و التي تطالب بوضع دستور للبلاد, الثورة اندلعت من جنوب اليونان, و نجح المتظاهرون في الوصول إلى قصر الملك ( مقر البرلمان اليوناني حاليا ) في وسط أثينا, حتى أعلن الملك دستور البلاد في 3 سبتمبر 1843, من شرفة قصره التي تطل على هذا الميدان الذي أطلق عليه منذ هذا اليوم ميدان "سيداغما".
و بالرغم من أن اليوم الذي انطلقت فيه مظاهرة أثينا كان يوما للتظاهر العالمي, إلا أن مظاهرة أثينا كان لها طعم آخر, ففي اليونان, يعتبرون اللغة العربية رمزا للمقاومة, و لهذا ستجد الكثير من الشعارات التي يرفعها اليونانيون في مظاهراتهم و خاصة تلك التي تتعلق بقضايانا العربية مكتوبة بلغتنا الجميلة, و قبيل هذه المظاهرة وزع نشطاء تحالف أوقفوا الحرب في اليونان بيانا باللغة العربية, على أبناء الجالية العربية في أثينا, و بالفعل كان الوجود العربي في المظاهرة كثيفا, حتى كان للمظاهرة نكهة عربية مميزة.
بيان تحالف أوقفوا الحرب المكتوب باللغة العربية أكد أن "السفير الأمريكي في اليونان "تشارلز رايس" يلح على حكومة "كاراماليس" بأن يشارك الجيش اليوناني في العمليات الحربية في أفغانستان, و يطالب بالضغط على المهاجرين الباكستانيين و العراقيين و اللبنانيين", و أكد البيان أن الرئيس الأمريكي جورج بوش "يطالب الحكومات الأوربية بالتورط أكثر في حروبه و مجازره, و الضغط على شعوبهم و تجريدهم من حقوقهم الديمقراطية, و ذلك بحجة "أمنهم و سلامتهم"".
كما أكد البيان أن حكومة رئيس الوزراء اليوناني "كاراماليس" أضحت "شريكة لبوش في المذابح التي تجرى في العراق, و التي أدت إلى مقتل 650.000 عراقي و أكثر من 3000 جندي أمريكي بعد الوعود التي قطعتها "دورا باكوياني" وزيرة الخارجية في مؤتمر "الحلف الأطلسي" في بروكسل, بإرسال دبابات و معدات حربية و مشاركة الجيش اليوناني بشكل فعال في العمليات الحربية في أفغانستان لخدمة الحرب البربرية و الإمبريالية التي يشنها بوش في العراق للاستيلاء على نفطه".
و طالب تحالف أوقفوا الحرب في بيانه المكتوب بالعربية بإغلاق قاعدة "سودا" التي وصفها بأنها "ملجأ طائرات المخابرات الأمريكية و تحليقاتها الغير مشروعة, و وقف احتلال العراق و تركه حرا و ذو سيادة"
حضر النشطاء منذ الصباح, البعض انهمك في عمل اللافتات, و الآخر انهمك في الحديث مع المارة عن الجريمة الأمريكية في العراق, و قليل منهم انشغل في توزيع البيانات و بيع صحفهم الحزبية, و في تمام الساعة الثانية ظهرا, كان ميدان "سيداغما" ممتلئا عن آخره, و بدأ حفل موسيقى الروك الذي نظمه تحالف أوقفوا الحرب و استمر لمدة ساعتين, و في الرابعة عصرا انطلقت المظاهرة في شوارع أثينا الرئيسية, و توجه المتظاهرون إلى السفارة البريطانية, حيث وقفوا لمدة نصف ساعة أمامها مرددين الشعارات المنددة بالحرب, بعدها توجهت المظاهرة إلى حيث انتهت بعد أربع ساعات أمام السفارة الأمريكية, هاتفين "أرسلوا بوش إلى المحكمة و أعيدوا الجيش الأمريكي إلى وطنه", و هتافات أخرى مناهضة للولايات المتحدة, و جورج بوش و حربه القذرة على العراق الذي أكد بيان تحالف أوقفوا الحرب أنه "أضحى فيتنام جديدة للولايات المتحدة الأمريكية".

القفا .. و المثل الشعبي

نشر بموقع عشرينات
أحمد بلال

أمثالنا الشعبية معروفة بثرائها, فلن تجد أي موقف من مواقف الحياة بحلوها و مرها إلا و ستجد من بين تلك الأمثال الشعبية ما يلخصه أو يعبر عنه, بل أن الكثيرين منا لا يخوضون أي تجربة إلا بعد أن يكونوا استمدوا قرارهم من تلك الأمثال التي يعتبرها علماء الاجتماع معبرة عن خبرات الشعوب و المجتمعات.
و لما كان "القفا" هو أحد أهم العناصر في حياتنا المصرية, فقد كان من الطبيعي أن يلقي اهتماما واضحا في أمثالنا الشعبية, و قد يكون ذلك هو العزاء الوحيد لـ"ستاموني" في فيلم "الكيف" و الذي كان يشتكي مرارا من عدم اهتمام الفنانين بـ"القفا" برغم أنه "بيستحمل كتير أوي اليومين دول".
و من أشهر الأمثال التي استخدمت "القفا" هو "اللي ميحوجكش الزمان لوشه, بكره يحوجك لقفاه", و هو مثل يحض على إقامة علاقات جيدة مع الجميع, حتى هذا الذي تعتقد أنك لا تحتاج له في أي شيء اليوم, فعليك أن تتأكد أنك ستكون في أمس الحاجة إليه غدا, و في المقابل نجد مثل آخر هو "خدنا إيه من وشك عشان تدينا قفاك", و هو مثل يوجه إلى الشخص الذي لا يوليك اهتماما, حيث تؤكد له أنك لم تستفد منه إطلاقا حتى يعاملك بلا مبالاة, و يستخدم أحيانا للشخص الذي لا ينظر إليك أو يكون جالسا معك و ينظر بعكس اتجاهك.
"في الوش مراية و في القفا سلاية", و هو مثل شعبي يعالج قضية الأنانية, و هو يقال في الشخص الذي يتحدث أمامك بكل ما طاب من كلمات و مديح, و في غيابك يكون كالشوكة, و لا يتحدث عنك إلا بكل سوء, أما هؤلاء الذين يتحدثون بلا حساب, و لا يوجد على لسانهم أي رقيب, فقد خصتهم أمثالنا الشعبية بمثل تحمل فيه "القفا" خطأ اللسان فيقول "لولاك يا لساني ما انسكيت يا قفايا", و هو مثل يتحدث عن أن "القفا" هو الذي يتحمل نتائج خطأ الإنسان, و أن حفظ "القفا" و سلامته يبدأ من حفظ اللسان.
و عن الحموات نذكر مثل "جوزت ابني لبنتي, الوش وش بنتي و القفا قفا مرات ابني", و هو يعني أن أم الزوج تتحدث في البداية عن زوجة ابنها بأنها في معزة ابنتها نفسها, ثم يأتي بعد ذلك تصنيف المعاملة, فكل خير أو شيء جيد تفعله زوجة الابن فهو يرجع إلى أم الزوج التي اعتبرت زوجة الابن ابنتها, أما عندما تخطئ زوجة الابن أو تفعل شيئا مسيئا, فيكون الحديث هنا عن زوجة الابن الوافدة على الأسرة و التي لا تتحلى بقيم أم الزوج التي كانت منذ قليل أمها!!.
"سيب حبيبك على هواه, و لما ييجي إديله على قفاه", و هو مثل يحض على الصبر على المحبوب, و قد يمتد هذا الصبر إلى أي شخص آخر غير المحبوب, و يقال للشخص الذي يعاني من أن حبيبه أو أي شخص آخر يتعمد البعد عنه لفترة من الزمن, و النصيحة التي يقدمها المثل هي أنه عليك أن تتحلى بالصبر, و أن تترك هذا الشخص يفعل ما يريد, و عندما سيعود إليك مرة أخرى افعل به ما شئت, حتى و لو وصل الأمر أن "تديله على قفاه".
أما عن هؤلاء الذين يطلبون المستحيل فيقول المثل الشعبي "يا طالب الدبس من قفا النمس", و الدبس هو العسل الأسود, فمن يطلب العسل الأسود من "قفا" النمس, كمن يطلب المستحيل, لأن النمس حيوان شديد الحذر, و حاسة الشم عنده كبيرة جدا, تجعله يختفي بسرعة قبل وصول أي شخص إليه لدرجة تجعل من الصعب حتى رؤيته, و النمس في المثل, تعني الشخص الحذر الماكر, و هو يعني أن تأخذ شيئا من هذا الشخص على غفلة أو من "قفاه" لأن حذره يجعله دائم اليقظة.
و من أمثالنا الشعبية الأخرى التي تتحدث عن القفا "شوكي في قفا غيري" و "الدفا عفا و البرد لحاس القفا", و في حياتنا اليومية الكثير من التعبيرات التي نستخدم فيها "القفا", و قد يرجع ذلك إلى القيمة الكبيرة التي يمثلها "القفا" في حياة المواطن المصري, فنقول مثلا "هجيبه من قفاه" و هو تعبير يدل على قوة الشخص المتحدث و تحقير من شأن الشخص المراد به الحديث, و أيضا "على قفا مين يشيل" و هو تعبير يدل على الكثرة, و "رجع قفاه يقمر عيش" و تدل على خيبة الشخص المراد به الكلام, حيث فشل في الحصول على ما يريد فسخن "قفاه" لدرجة تجعل من السهولة "تقمير" العيش عليه, و نقول أيضا "شايفني مختوم على قفايا" و هو تعبير يدل على أن الشخص الذي يتحدث شخص يقظ و "مفتح" و لا يمكن استغفاله.
حتى التكنولوجيا الحديثة, استعملناها بطريقتنا الخاصة, أو لنقل بثقافة "القفا", فنجد الكثير من رسائل الـ"sms" التي يتبادلها الشباب عبر أجهزة تليفونهم المحمول تتعلق بـ"القفا", فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد رسالة تقول "حبيبي طالع فيها فاكرني هدلعه, ياما نفسي يديني ضهره و على قفاه هلسعه".
"القفا" يحتل مكانة كبيرة في الحياة اليومية المصرية, فما بين الظلم الواقع عليه بشكل مادي بطريقة عرفها المصريون جميعا على يد الشرطة التي من المفترض أن تحافظ على كرامته أو بشكل معنوي عن طريق التهكم عليه, يقف القفا المصري شامخا لا يبالي بأي شيء, و إذا كان ستاموني في فيلم الكيف قد قرر الثأر "للقفا" على اعتبار أنه "بيستحمل كتير", فإننا ندعو لحملة شعبية مصرية كبيرة لجمع تراث "القفا", و الذي سيجدون أغلبيته قابعة داخل أقسام الشرطة المصرية.

Thursday, April 26, 2007

الداخلية احتفلت بالتحرير بقتل مواطنين من سيناء


أحمد بلال

يعتصم حاليا بين الخط الحدودي الدولي المصري و الخط الحدودي الدولي الصهيوني حوالي 600 مواطن من مواطني قرية المهدية في شمال سيناء احتجاجا على ضرب النار العشوائي على المواطنين، و الذي تسبب في مقتل المواطن خليل سليم أبو غانم سواركة و سليمان حسن المنيعي في حوالي الواحدة من ظهر أمس الأربعاء، يوم الاحتفال بعيد تحرير سيناء!، و ذلك بعد أن قامت قوات الأمن بإطلاق النار على سيارة يستقلها اثنين من أبناء سيناء و التي كانت تحمل الأسمنت.
و على أثر مقتل المواطنان تجمع أكثر من 4000 مواطن و أغلقوا الطريق تماماً من قرية الماسورة غرب مدينة رفح حتى قرية المهدية جنوب مدينة رفح في مسافة تصل إلى 3 كيلو متر.. ويقع في هذه المسافة معسكر القوات الدولية F.M.O الذي يقع جنوب الماسورة فأغلقوا الطريق على القوات الدولية الذي أصبح أفرادها محاصرين داخل معسكرهم ومن خارجه غير قادرين على العودة إليه.
وتشهد منطقه المهدية حتى الآن حصارا امنيا حولها وهى المنطقة الحدودية بالقرب من منفذ كرم أبو سالم الذي يربط الأراضي المصرية بالكيان الصهيوني، إلا أن الأهالي يرفضون فض اعتصامهم قبل الحصول على تأكيدات بوقف ضرب النار العشوائي، و يقول أهالي القرية المعتصمين حاليا أن الضابط الذي أرتكب هذه الجريمة هو سامي لطفي ، وأنه من قوات الأمن العام التي وصلت إلى سيناء منذ فترة في إطار حملة أمنية تتم الآن، وانه سبق له اغتيال شاب صغير من فوق موتوسيكل منذ أسبوع تقريبا بذات الطريقة.
و في اتصال هاتفي لنا بأحد المواطنين المعتصمين أكد لنا صالح النميري أت أهالي المهدية عندما ذهبوا لاستلام جثث أبنائهم، فوجئوا بها مازالت على الطريق، و كان أحد المواطنين و هو سليمان حسن المنيعي قد لقى حتفع على الفور من جراء الرصاص الذي أصابه في وجهة و فمه و رقبته، أما خليل سليم فقد أصيب في العمود الفقري و الكلى و اماكن أخرى، و تم نقله إلى مستشفى العريش حيث استشهد و هو في غرفة العناية المركزة، كما أكد النميري.
و أضاف النميري أن الاعتصام بدأ بعيدا عن الحدود إلا أن المسؤولين لم يعيروا أهالي سيناء اهتماما، كما بدأت حوالي 30 مدرعة في حصار القرية و المعتصمين القرية حتى وصلوا إلى الحدود الإسرائيلية الأمر الذي أدى بالمواطنين أن يتجهوا إلى الخط الحدود الدولي بين مصر و الكيان الصهيوني.
هذا و قد أصدر مركز الحرية للحقوق السياسية واللجنة الشعبية لحقوق المواطن بشمال سيناء بيانا يطالبان فيه بإجراء تحقيق فوري في هذه الأحداث ومحاسبة المسئول عن الاغتيال العشوائي للمواطنين .. و جاء في البيان "يؤكد مركز الحرية ومن قبل أن تبادر وزارة الداخلية بالقول بأن أي من القتيلين كان مطلوب على ذمة قضية تفجيرات دهب أو شرم الشيخ أو أنهما على علاقة بهذه الأحداث.. أن كل أوراق قضية تفجيرات دهب وشرم الشيخ ومحاضر التحريات فيهما والتي اطلعنا عليها لا تتضمن أسم القتيلين"، و أضاف البيان أن هناك أخبارا تفيد بأن السفير الصهيوني بالقاهرة طلب من جنوده فتح الحدود للمصريين.

عاشت فنزويلا حرة عربية


كتب : أحمد بلال

بعد مظاهرات ضخمة أمام السفارة الصهيونية في العاصمة، تم خلالها إحراق العلم الصهيوني أمام عدسات المصورين و وكالات الأنباء العالمية احتجاجا على العدوان على لبنان، ظهر الرئيس على شاشات التليفزيون ليعلن "إن ما تقوم به إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني عمل فاشي .. إرهاب وفاشية" .. "إنه لأمر يثير السخط والنقمة أن ترى كيف تواصل دولة إسرائيل عمليات قصف و قتل كل هؤلاء الأبرياء بطائرات أمريكية، و بكل الأسلحة التي تملكها، بدعم من الولايات المتحدة. ". و لذلك "لقد أمرت بسحب سفيرنا لدى إسرائيل".
بالطبع لم تكن العاصمة أي عاصمة عربية يدنسها العلم الصهيوني، فأنظمتنا العربية تعمل كل ما في وسعها لمنع وصول المتظاهرين أو حتى المواطنين العاديين إلى مقر سفارة العدو، حتى لا يزعجون أصدقائهم في تل أبيب أو يغضبون سادتهم في واشنطن، و بالطبع أيضا لم يكن هذا الرئيس واحدا من حكامنا العرب فكل ما لديهم هو الشجب و الإدانة و عندما يكون موقفهم متشددا يكون "ندين بأقوى العبارات" على حد تعبير حسني مبارك، و لما كنا في زمن المسخ فليس غريبا أن يخرج منهم من يحمل المقاومة الباسلة المسئولية عما حدث و ما سيحدث.
و في زمن تأتي العروبة فيه من غير موطنها، يصبح قرار سحب السفير من الكيان الصهيوني ليس قرارا عربيا، و إنما قرارا لاتينيا اتخذه الرئيس الفنزويلي الاشتراكي هوجو شافيز، في خطوة صدمت الكيان الصهيوني و الولايات المتحدة، و نزعت ورقة التوت الأخيرة من على هؤلاء الحكام المثبتة عروشهم بمسامير أمريكية، و خاصة هؤلاء الذين صدعونا بحديثهم عن العقل و المنطق في زمن لا يعرف إلا لغة القوة.
و برغم أن قرار سحب السفير الفنزويلي من "إسرائيل" كان مفاجأة بكل المقاييس، إلا أن موقف فنزويلا من الهجوم الصهيوني على لبنان ليس غريبا، فالمعروف عن شافيز هو تعاطفه و دعمه الشديد للقضايا والحقوق العربية، و هو واحد من أشد المنتقدين للحرب البربرية على العراق في مارس 2003، وللسياسة الخارجية للرئيس الأمريكي جورج بوش، الذي يصفه شافيز بأنه "وحش إمبريالي"، و "رجل خطير على استقرار العالم".
لم يكن تأييد شافيز للقضايا العربية مجرد كلمات للاستهلاك الإعلامي و الدعائي، و إنما دعما حقيقيا على أرض الواقع، صدم به الجميع عندما كان الرئيس الوحيد الذي زار العراق تحت الحصار، برغم التحذيرات الأمريكية التي التزم بها الجميع و على رأسهم القادة العرب، و كأنها نصوص مقدسة.
لم ينتقد شافيز حزب الله في تصريحاته، و لم يرتدي لباس الحكمة المزيف و يدعي أن المقاومة المشروعة هي "مغامرات غير مسئولة"، و لم يستخدم شافيز الكلمات الدبلوماسية المنمقة و المختارة بعناية حتى لا تغضب السيد الأمريكي، فرجل مثل شافيز لا يعرف ساده، و لا يؤمن بهم، زعيم مثل شافيز لا يعرف إلا سيادة الشعب، أما هؤلاء الذين كفروا بشعوبهم و آمنوا بالسيد الأمريكي، فما هم إلا عبيد تربعوا على عروشهم في غفلة من الزمن.
كانت تصريحات شافيز واضحة "إن ما تقوم به إسرائيل مماثل لما قام به هتلر في الحرب العالمية الثانية" .. "ما تقوم به إسرائيل اليوم ضد الفلسطينيين واللبنانيين هو إرهاب وفاشية"، و طالب شافيز الدول صاحبة القرار بالتدخل "لوقف هذه الاعتداءات الوحشية التي تتقمص خلالها إسرائيل دور الشيطان، وتظهر للعالم مثل هتلر والنازية وتتصرف مثل الوحش الكاسر في مواجهة مدنيين عزل وتستخدم ضدهم كل أنواع الأسلحة ومن ورائها أمريكا الإمبريالية والبنتاجون الذي لعب دورا رئيسيا في التخطيط لهذه الحرب".
لم يتملق شافيز الولايات المتحدة و يعلن أن العلاقة بينه و بينها علاقة قوية، و لم يعلن أن هناك تحالفا استراتيجيا يربط بين الدولتين، كما يفعل البعض، و إنما هاجم بكل وضوح الدور الأمريكي في العدوان الصهيوني على لبنان، و اتهم وزارة الدفاع الأمريكية بأنها هي التي "خططت للعملية العسكرية "الإسرائيلية" في لبنان ... في إطار محاولة للسيطرة على المنطقة الغنية بالنفط"، و أضاف "اليد الأمريكية تدفعهم.. إنها وراء العدوان الإسرائيلي. إنه عدوان استعماري وإسرائيل إحدى أدوات الاستعمار".
الرئيس شافيز .. الذي يظهر في العديد من المناسبات مرتديا الكوفية الفلسطينية، ليذكر العالم أجمع بمأساة شعبنا العربي الفلسطيني، كانت بلاده من أولى الدول التي أبدت استعدادها لاستقبال قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي تقود الحكومة الفلسطينية الحالية، بعد أن فرضت أغلب الدول الأوربية الكبرى والولايات المتحدة حصارا اقتصاديا وسياسيا عليها إثر فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، و لم يعتذر وزير خارجيته عن استقبال وزير الخارجية الفلسطيني، و لم تتهم حكومته حماس بتهريب السلاح من أراضيها، كما فعل من يفترض بأنهم عرب و أشقاء.
و عن رؤيته لإنهاء الصراع على أرضنا العربية يقول شافيز "إذا أردنا أن نحل مشكلة يجب أن ننظر إلى جذورها (في إشارة للكيان الصهيوني)، وان ننظر من الذي يساعد إسرائيل ومن يزودها بالأسلحة التي تشن بها الحرب".
لم يسعى للحج إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي كما يفعل البعض، بل انتفض شافيز عندما حاولت إحدى الصحفيات مقارنة تصريحاته بتصريحات بوش .. انتفض شافيز و اعتبرها إهانة و رفض مقارنته "بأكبر شخص ارتكب جرائم إبادة في تاريخ البشرية، وهو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية - القاتل ومرتكب جرائم الإبادة الجماعية وعديم الأخلاق- الذي ينبغي جرّه إلى السجن من قبل محكمة دولية .. لست أدري إلى أي شيء تشيرين عندما تقارنينني بالرئيس بوش".
و تسائل شافيز مستنكرا "هل قمت بغزو دولة ما ؟ هل قام الشعب الفنزويلي بغزو أي شيء ؟ هل قمنا بقصف أي مدينة ؟ هل قمنا بمحاولات انقلابية ؟ هل استخدمنا وكالة الاستخبارات المركزية CIA لقتل رئيس ؟ هل قمنا بحماية إرهابيين في فنزويلا ؟!"
وكان شافيز البالغ من العمر 52 عاما قد انتخب رئيسا لفنزويلا للمرة الأولى عام 1998 في أعقاب حملة انتخابية تعهد خلالها بمحاربة الفقر واستخدم مليارات الدولارات من عائدات النفط في تمويل برامج للتنمية من اجل الفقراء في إطار ما يصفه بثورته الاشتراكية، كما قام بإصلاحات اقتصادية هامة من أبرزها توزيع الأراضي على الفقراء بعد أن كانت في أيدي قلة من الإقطاعيين، و بالطبع لم ترضى الولايات المتحدة عن الخط الاشتراكي الذي تسلكه فنزويلا بقيادة شافيز.
و في 11 إبريل 2002، قامت مجموعة من ضباط الجيش المدعومين أمريكيا بانقلاب عسكري على هوجو شافيز، و قاموا باعتقاله في قاعدة عسكرية تبعد عن العاصمة كراكاس بحوالي 100 كيلو متر، و في خلال 48 ساعة فشل الانقلاب العسكري على أثر الانتفاضة الشعبية التي قامت بها الطبقات الفقيرة في فنزويلا مطالبة بعودة شافيز، و أسفرت عن مقتل 41 مواطنا و جرح 323 آخرين، فقراء فنزويلا الذين عمل شافيز على استعادة حقوقهم، اقتحموا القصر الرئاسي الذي جلس فيه المنقلبون مطالبين باستعادة رئيسهم المعتقل، و بالفعل أحبطت جماهير فنزويلا الفقيرة الانقلاب العسكري و عاد شافيز للقصر الرئاسي مرة أخرى، في سابقة هي الأولى من نوعها في التاريخ.
إذا كانت العروبة تعني الشرف و العزة و الكرامة، فإن شافيز قد أظهر من العروبة ما لا طاقة لحكامنا به، هؤلاء الذين أخفوا تخاذلهم و راء ستار العقل و المنطق، و اعتبروا المقاومة المشروعة مغامرة غير محسوبة دون حتى أن يقدموا بدائل، فهم و الاحتلال في خندق واحد، و لن نحصل على حريتنا و استقلالنا و لن نشعر حتى بإنسانيتنا إلا عند التحرر من كلاهما معا، أما شافيز فمرحبا به عربيا أبيا .. و عاشت فنزويلا حرة عربية.

عاملات المحلة هتفن بسقوط حسني مبارك

نشر بموقع حريتنا
تقرير أحمد بلال

المحلة الكبرى التي أشعلت الانتفاضة العمالية التي عمت مصر مؤخرا، لم يختلف فيها الاستفتاء على التعديلات الدستورية، عن باقي مدن الجمهورية، فاللجان خاوية على عروشها، و الحزب الوطني فشل في جمع كل من يدعي أنهم أعضائه، و الأهالي لا تتردد على ألسنتهم سوى كلمات تدل على وعيهم التام بأبعاد المسرحية.
منذ الصباح، كانت حالة الارتباك واضحة تماما على قيادات الحزب الوطني بالمحلة، و خاصة بعد المقاطعة الغير متوقعة من الناخبين، الأمر الذي أدى إلى تدخل الشرطة و قيادات الحزب الوطني لإجبار عمال مرفق النقل الداخلي باستخدام أتوبيسات المرفق في نقل المواطنين إلى اللجان، و عندما رفض العمال، هددوهم بتوقيع جزاءات عليهم، و منعوهم من التوقيع في دفتر الحضور إلا بعد تنفيذهم ما طلب منهم، حيث سيسمح بعدها للعمال بالتوقيع في دفتر الحضور و الانصراف معا!!، و تحت الضغط الأمني و الإداري اضطر المرفق إلى تخصيص 29 أتوبيسا لنقل الناخبين، و من ناحية أخرى وضع نقيب السائقين بالمحلة إبراهيم قشطة 50 ميكروباصا تحت قيادة غرفة العمليات في الحزب الوطني، بعد أن دفع لكل سيارة مبلغ 100 جنيه، كلها من أموال النقابة.
التجاوزات كانت الشيء الوحيد الذي اتفقت فيه كل اللجان في المحلة، فالحبر الفوسفوري حتى و إن كان موجودا فلم يتم استعماله إلا نادرا، بل أن بعض اللجان مثل لجان 28، 29، 30 في مدرسة عبد المجيد كريم استبدلوا الحبر الفوسفوري بحبر أزرق عادي موضوع في "ختامة"!!، و القضاة لم يحضروا في معظم اللجان إن لم يكن كلها، و التصويت لم يكن يتم خلف الستائر بل كانت الصناديق موضوعة بجانب الموظفين في معظم اللجان، و على كل أبواب اللجان وضعت لافتات و ملصقات الحزب الوطني الداعية للتصويت بـ"نعم".
و الوجود الأمني كان كثيفا على أبواب اللجان، إن لم يكن داخلها أيضا مثلما حدث في لجان 31، 32، 33 بمدرسة مدينة العمال الإعدادية بنين، حيث شاركت الشرطة أعضاء الحزب الوطني في تسويد البطاقات، حتى أماكن اللجان نفسها داخل المدارس كان مثيرا للقلق، فبعضها تمت إقامته في الأدوار العلوية للمدرسة و ليس في الدور الأرضي كما يتم في الانتخابات العادية، و بعضها تم في طرقات داخلية في المدرسة حتى تتم عملية التزوير بعيدا عن العيون، بل أن بعض المدارس مثل مدرسة طلعت حرب الثانوية العسكرية قد أغلقت بوابتها الرئيسية، و اكتفت ببوابة صغيرة جانبية مخصصة للمدرسين!!!.
حالة الموات التي أصابة اللجان كانت ملفتة للنظر أكثر في تلك اللجان المعروفة بقوتها التصويتية، و التي تتركز فيها معظم أصوات قرى المحلة و أجوارها، فاللجان الموجودة في مدرسة شهداء بدر لم يدخلها أحد منذ الساعة الثالثة و حتى موعد انتهاء التصويت، و في مدرسة طه حسين لم أي مواطن في الفترة ما بين الواحدة ظهرا و حتى الثالثة ظهرا، و في تمام الساعة الثانية وقفت أمامها سيارة أجرة غربية رقم 6750 و بها مجموعة من العساكر و المخبرين السريين و ضابط برتبة مقدم!!.
أما اللجان 31، 32، 33 في مدرسة مدينة العمال الإعدادية بنات فلم يدخلها أي مواطن من الثامنة صباحا و حتى الثانية عشر ظهرا، و لم يحضر سوى 10 أفراد فقط إلى اللجان الموجودة في مدرسة مدينة العمال الإعدادية بنين 27، 28، 29 منذ الصباح و حتى الثانية عشر ظهرا، و كان أفراد الشرطة و أعضاء الحزب الوطني فقط هم من يتواجدون داخل اللجان!!، و بعد ذلك قاموا بتسويد البطاقات، بعد قيام عميد شرطة بإعطاء أمر مباشر لهم بأن يملأ كل شخص 20 استمارة، و تم ذلك تحت إشراف أحد المسئولين بالإدارة الصحية بالمحلة، و الذي ينتمي للحزب الوطني.
محاولة نقل الناخبين بالجملة كانت إحدى محاولات الحزب الوطني للخروج من المأزق، فبدأت السيارات تتجه إلى المصانع و الشركات لنقل العمال الذين أخرجهم أصحاب العمل للتصويت تحت ضغط شديد، و هو ما كشفته إحدى العاملات بمصنع الصياد لقناة الجزيرة، بعد نقلها و زملائها إلى مدرسة السيدة زينب، في الوقت الذي كانت تجري فيه قناة الجزيرة حديثا مع أمينة المرأة بالحزب الوطني بالمحلة، و التي كانت تتحدث عن مشاركة المرأة و أن التعديلات تأتي في مصلحة المرأة المصرية، و هنا تدخلت إحدى العاملات و طلبت من مراسلة القناة الحديث معها كما تتحدث مع أمينة المرأة بالحزب الوطني.
و أكدت العاملة في حديثها أنها خرجت مع زملائها تحت ضغط صاحب العمل، الذي طلب منهن التصويت بنعم، على الرغم من عدم معرفتهن بتلك التعديلات، و أكدت لمراسلة الجزيرة أنهن قادمات لتوهن من إحدى المدارس الأخرى بعد التصويت فيها، و جئن للتصويت في لجان أخرى، و عند تدخل أحد أعضاء الحزب الوطني، أشارت العاملة بإصبعها الذي يتضح عليه علامات الحبر الفوسفوري، و هنا قام أعضاء الحزب الوطني بقطع كابل كاميرا الجزيرة، و هتفت العاملات "يسقط يسقط .. حسني مبارك".
التصويت بالجملة حاولوا ممارسته مع عمال شركة مصر للغزل و النسيج و لكن بطريقة أخرى، حيث أعطوهم مأمورية مدفعة الأجر، و عمل نصف يوم فقط، بالإضافة إلى احتساب نصف يوم إضافي، إلا أن العمال بعدما خرجوا من الشركة، ذهب كل من منهم إلى بيته، و منهم من فضل التجمهر أمام أحد المقاهي لمشاهدة المصارعة بدلا من الاستفتاء!.
حتى التصويت بالجملة لم يكن كافيا لخروج الحزب الوطني من مأزقه، فلجأوا أيضا إلى نقل أعضائهم للتصويت في أكثر من لجنة، و على سبيل المثال لا الحصر السيارة رقم 10389 أجرة غربية، و التي كانت تحمل مواطنين للإدلاء بأصواتهم في لجان مدرسة شهداء بدر، ثم لجان مدرسة الجمهورية، و أيضا سيارة نقل غربية برقم 63455 يستقلها من الأمام ضابط و من الخلف مجموعة من الفلاحين و كانت آتية من إحدى قرى المحلة في حوالي الثالثة و النصف عصرا.
و قد حدثت مشاجرة بين ثلاثة من عمال شركة القاضي و أحد المسئولين في الحزب الوطني، بعد أن نقلهم الحزب بسيارة من شركة إيفا ترافيل للسياحة في الرابعة عصرا للإدلاء بأصواتهم في لجان المحلة الثانوية بنات و الصفا الابتدائية على التوالي، بحجة أن المقابل المادي غير مناسب!!.
و من ناحية أخرى قام أعضاء من الحزب الوطني بالتحرش بالمهندس محمد عبد العظيم أمين التنظيم بحزب التجمع بمحافظة الغربية، أثناء حديثه لقناة الجزيرة عن موقف التجمع من الاستفتاء، و قاموا بالهتاف ضد التجمع و بحياة الرئيس مبارك، و اتهموا عبد العظيم بأنه "عميل"، "كافر"، "أمريكي" و غيرها من الاتهامات، مما تسبب في وقف التسجيل معه أكثر من مرة، و لولا تدخل بعض أصدقاء عبد العظيم لكان قد وقع عليه اعتداء جسدي بالفعل.
و فوجيء أهالي المحلة بملصق على أبواب العديد من اللجان الانتخابية يحمل توقيع المهندس سعد الحسيني، عضو مجلس الشعب عن الإخوان المسلمين، يدعو فيه أهالي المحلة للمشاركة برأيهم في تعديل الدستور، "للحفاظ على حقوق الشعب و كسر جمود النظام"، إلا أن الحسيني نفى أن يكون له صلة بهذا الملصق.

قوات الاحتلال الصهيوني محت قرية عربية كاملة من الوجود

كتب: أحمد بلال
بعد أسبوع واحد من اجتماع وزير القضاء الإسرائيلي "مائير شطريت" مع عدد من المواطنين العرب في النقب، و الذي تعهد فيه بحل قضايا الأرض في النقب, قامت السلطات الصهيونية يوم الأربعاء الماضي بإبادة قرية "طويل أبو جرول" العربية في النقب من الوجود, حيث قامت بهدم كل البيوت والخيام والحظائر و نقل أنقاضها إلى خارج القرية على شاحنات, و برغم ذلك لم توفر لسكانها بديل آخر.
عقيل الطلالقه, رئيس اللجنة المحلية في القرية, استغرب أسلوب التعامل الإسرائيلي مع عرب النقب بشكل عام و قريته بشكل خاص قائلا "بالرغم من أننا نمتلك هذه الأراضي غير أنهم يحرموننا من بناء بيوتنا عليها، في سنوات الخمسينيات قاموا بتهجيرنا من أرضنا الواسعة في الطويل إلى بلدة اللقية، ونحن اليوم نسكن على أراضي الآخرين في اللقية في ظروف صعبة للغاية من حيث الأراضي", و أضاف الطلالقة "ما كان لنا خيار سوى العودة إلى أرض الآباء والأجداد والسكن عليها, هنا في الطويل بكرامه وهذا حقنا الطبيعي الذي لا يملك أحد في الوجود حق مصادرته أو حرماننا من أرضنا".
و قال حسين الرفايعه، رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها، معقبا على عملية الهدم "إسرائيل تدعي أنها تعاني من الإرهاب وما قامت به اليوم يعتبر إرهاب دوله ضد مواطنين عزل يسكنون في أرضهم ووطنهم، وما قامت به أذرع الحكومة هو وصمة عار، فقد محت قرية كاملة عن الوجود".
قرية "طويل أبو جرول" ليست سوى حلقة من سلسلة جرائم صهيونية بشعة مورست ضد الشعب الفلسطيني, منذ أكثر من نصف قرن مارست فيها العصابات الصهيونية مدعومة من قوى الاستعمار أبشع أنواع المجازر في فلسطين, كانت سياستهم هي بث الرعب في قلوب العرب بعمليات بشعة من قتل و اغتصاب و هدم للمنازل, ليرموا الرعب في قلوب المواطنين الذين كانوا يهربون من قرية إلى أخرى, قرية "دير ياسين" التي قتلوا فيها 260 عربيا, و التي قال عنها مناحم بيجن أنه "لولا دير ياسين ما قامت دولة إسرائيل", أكبر دليل على تلك السياسة البشعة التي انتهجها الصهاينة في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.
و في النقب تتجسد مأساة الأرض و الإنسان, النموذج الحي لهذة المأساة, عشيرة العقبي .. و هي واحدة من تلك العشائر العربية التي لم تعرف لها أرضا أو وطنا سوى فلسطين, و يتركز أبنائها الآن في بلدة حور المحرومة من كل أشكال الخدمات, و التي تبعد 20 كيلومترا عن "العراقيب" بلدتهم الأصلية, في عام 1951 و بعد قيام الكيان الصهيوني بثلاث سنوات فقط, أبلغهم الجيش الصهيوني بأن عليهم ترك العراقيب لمدة ستة أشهر فقط, و ذلك لأسباب أمنية, ثم العودة إليها بعد تلك الفترة, إلا أن تلك الأشهر الست لم تنتهي حتى الآن بالرغم من مرور أكثر من خمسين عاما, و كانت كل محاولة من أبناء العشيرة للعودة إلى أرضهم تقابل بالعنف من الجانب الصهيوني على اعتبار أن تلك الأراضي "لا صاحب لها"!!!.
و في عام 1953 شرعت الحكومة الصهيونية قانونا خاصا يقنن استيلاء "الدولة" على الأراضي التي هجر منها أصحابها باعتبار أن أصحابها غير موجودون, حتى المسجد صادروه, الجامع الكبير في بئر السبع و الذي يرجع عمره إلى أكثر من نصف قرن من عمر الكيان الصهيوني نفسه تمت مصادرته ضمن أملاك الغائبين !!, و من ضمن تلك الأراضي كانت "العراقيب" في النقب, و لما كانت الأسطورة الصهيونية تقول أن فلسطين هي "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض", فكان على السلطات الصهيونية أن توزع أراضي عرب النقب على هؤلاء الذين جاؤوا من آخر بلاد الدنيا, ليقيموا في بلادنا و نصبح نحن لاجئين داخل الوطن.
أصحاب الأرض, يعيشون الآن فيما تطلق عليه حكومة العدو الصهيوني "قرى غير معترف بها", حوالي 45 قرية تفتقر إلى كل الخدمات التي تقدمها الدولة لهؤلاء المستوطنين, إلا أن أهلها يرفضون تركها و الانخراط في مسلسل "صهينة" كامل الأراضي الفلسطينية, "القرى غير المعترف بها" لم تسلم من المخطط الصهيوني, حيث تقوم "إسرائيل" بهدم تلك البيوت العربية على اعتبار أنها تم بنائها بدون ترخيص !!!.
لم تكتفي "إسرائيل" بالتهجير, بل عملت أيضا على محاربة عرب النقب في رزقهم, و ذلك حين أسس شارون عام 1976, و كان وزيرا للزراعة في ذلك الوقت, ميلشيات أطلق عليها "الدوريات الخضراء" إلا أنها لم ترتبط في أذهان عرب النقب سوى باللون الأسود, كانت مهمة هذه الميلشيات بجانب إرهاب عرب النقب و تهجيرهم هي الاستيلاء على مواشيهم و مصادرتها بحجة دخولها للمحميات الطبيعية, و هي الأراضي نفسها التي صادرتها "إسرائيل" من أصحاب الماشية أنفسهم!!, هذا بالإضافة إلى تجريف مساحات واسعة من الأراضي التي يزرعها عرب النقب.
و لما كنا في زمن انقلبت فيه كل المفاهيم, فأصبح النضال إرهابا, و الإرهاب أصبح دفاعا عن النفس, فقد أصبح الطبيعي فيه أيضا أن يتحول أصحاب الأرض إلى غزاة و محتلين, و من واجب الحكومة الصهيونية الدفاع عن "أراضيها" و طرد هؤلاء الغزاة منها!!, فسنت قانونا في عام 2004 لعرب النقب يسمى بقانون "طرد غزاة الأرض في النقب"!!, و بالطبع ليس المقصود هنا الغزاة الذين جاؤوا من كل بلاد العالم للإقامة على تلك الأرض, و لا هؤلاء الذين أقاموا مستوطنة "جبعوت بار" على "العراقيب" بلدة عشيرة العقبي, و إنما المقصود هنا أصحاب الأرض أنفسهم الذين هجروا منها ليعيشوا في قرى "غير معترف بها", و محرومة من كل الخدمات, ليفرضوا عليهم الإقامة في أماكن التوطين القسرية التي تحددها لهم حكومة العدو الصهيوني.
و قد قدم مؤخرا "نوري العقبي", رئيس جمعية مؤازرة و حماية حقوق البدو بالنقب, طلبا لمحكمة بئر سبع تناول أعمال الاستيطان و المصادرة التي مورست ضد أبناء القبيلة بعد قيام ما يعرف باسم "دولة إسرائيل", بهدف الضغط عليهم لترك أراضيهم, و التنقل في أرجاء النقب و السكن في قرى غير معترف بها "إسرائيليا", مما يجعلهم عرضة أيضا لحملات وزارة الداخلية الصهيونية الهادفة إلى هدم تلك المنازل, مثلما حدث في العام الماضي مع أبناء "عشيرة العقبي" في بلدة حور بالنقب, حين داهمت قوات الشرطة منازلهم بغرض هدمها و ألصقت أوامر الهدم الصهيونية على المنازل التي بناها الفلسطينيون فوق أرضهم, و كتبوا في تلك الأوامر "دولة إسرائيل ضد صاحب المبنى، قمت بالبناء بدون ترخيص وعليك القدوم لمفتش مراقب البناء وشرح الأمر خلال عشرة أيام".
و طالب العقبي في الطلب الذي قدمه إلى المحكمة بحق عرب النقب في استعادة أراضيهم التي هجرتهم منها "إسرائيل" منذ أكثر من خمسون عاما, و هو الأمر الذي أدى بهم في النهاية إلى التنقل بأرجاء النقب و الإقامة في قرى غير معترف بها من قبل الحكومة الصهيونية.
أبناء عشيرة العقبي لم يكتفوا بذلك الطلب المقدم لمحكمة بئر سبع و يختصمون فيه السلطات "الإسرائيلية" التي هجرتهم من أراضيهم, بل يتوجهون بين الحين و الآخر إلى أراضيهم المسروقة, يزرعونها فيحرثها الصهاينة ليعودون إلى زراعتها مرة أخرى, و يتوجهون أيضا لإقامة بيوت لهم على أرضهم, مما يثير جنون الصهاينة الذين يسارعون بهدمها و اعتقال من تطاله أيديهم, و يعود عرب النقب من عشيرة العقبي للبناء مرة أخرى.
إذا كان عام 1948 هو عام النكبة, نكبة فلسطين التي هجروا أهلها منها ليستولوا على أراضيهم, فإن عمليات التهجير و المصادرة التي تحدث ضد العرب في النقب, وسط تجاهل عربي تام كذلك التجاهل الذي قابل به العرب تهجير الفلسطينيين من باقي أراضيهم, لا تعني سوى شيء واحد هو أن "نكبة" النقب لا تزال مستمرة منذ أكثر من 50 عاما.

أن يكون الطفل مسلم الديانة!!

نشر بموقع عشرينات
أحمد بلال

"كلنا مصريون، كلنا أبناء لهذا الوطن، وكلنا متساوون أمام القانون فى الحقوق والواجبات، لاتفرق بيننا عقيدة أو دين، ولم نعرف عبر تاريخنا إنقساما دينيا أو طائفيا، عندما توجه سعد زغلول إلى فرساى مطالبا بالاستقلال، صاحبته نخبة من أبناء مصر، مسلمين وأقباطا، ضم الوفد المصرى آنذاك أقباطا منهم، واصف غالى، وسينوت حنا، وويصا واصف وجورج خياط، وعندما نمضى فى بناء مستقبل الوطن، فإننا نحقق ذلك بفكر وسواعد أبناء مصر، المسلمين والأقباط".
هكذا تحدث حسني مبارك في كلمته عن التعديلات الدستورية في 26 ديسمبر الماضي، عن مفهوم المواطنة من وجهة نظره، مؤكدا على أن الجميع متساوون أمام القانون في الحقوق و الواجبات، و أن بناء مستقبل الوطن، لن يتحقق سوى بفكر و سواعد أبناء مصر مسلمين و أقباط.
و رغم اتفاقنا مع ما قاله الرئيس حول أن بناء مستقبل الوطن لن يتحقق سوى بسواعد المسلمين و الأقباط، إلا أنه على ما يبدو كان يعني ما يقول حرفيا، فوقت البناء يجب أن نكون نسيجا واحدا، مسلمين و أقباط، أما وقت الحقوق و الاهتمام و العناية فيجب أن يبرز كل منا بطاقته الشخصية، و يشير باصبعه إلى خانة الديانة!.
دار الرعاية الاجتماعية للبنين بالمحلة الكبرى، و هي دار أيتام خاضعة لوزارة التضامن الاجتماعي، و هو ما يعني أنها دار لكل المصريين، على الأقل حسب مفهوم المواطنة الذي يتشدقون به حاليا، ترفع في مدخلها لوحة كبيرة بعنوان "شروط القبول بالدار"، و هو الأمر الذي قد يكون عاديا جدا في مثل هذه الأماكن، أما الشيء الغير عادي بالمرة، هو الشرط الأول للقبول في الدار .. "أن يكون الطفل مسلم الديانة"!!!.
و رغم أن الشرط وحده يدل على تمييز واضح بين المصريين على أساس الدين، إلا أن التمييز هذه المرة وصل إلى مرحلة لا يصح فيها – إنسانيا – أي تمييز، و هي مرحلة الطفولة حيث لا يختار أي طفل دينه، إلا أن شرط السن زاد الطين بلة، حيث اشترط أن السن يبدأ من ست سنوات و لا يزيد عن 12 سنة، و هي مرحلة لم يبلغ فيها الطفل سن الرشد، أي أنه يكون في مرحلة سنية لا تؤهله لاختيار ديانته!!.
و يزداد شرط السن تعقيدا حين يعلن أن سن الحضانة يبدأ من ثلاث سنوات، و هي مرحلة سنية يتعلم فيها الطفل مهارات التعامل و الحديث، و من سابع المستحيلات أن يكون الطفل قادرا على اختيار ديانته أثنائها.
شرط أن يكون الطفل مسلما هو في حد ذاته غير قابل للتطبيق عمليا، أما و إذا كان التمييز ضرورة في هذا الوطن، فأولى بهم أن يشترطوا ان أهل الطفل يجب أن يكونوا مسلمين، و لكن ماذا لو كان الطفل لقيطا!!.
و من الناحية القانونية أكد لنا د. محمد الميرغني حافظ أستاذ القانون العام بجامعة عين شمس، أن المؤسسات التي تنشئها الدولة، يجب أن تكون لكل المصريين بدون أي تمييز، و أكد حافظ أنه تلك المساواة لا ترتبط فقط بالمادة الأولى من الدستور المعدلة مؤخرا و التي تتحدث عن المواطنة، حيث أن مبدأ المساواة موجود في الدساتير المصرية منذ بدايتها، و موجود في الدستور الحالي في المادة 40 التي تتحدث على أن المصريين أمام القانون سواء، و أضاف د. محمد الميرغني أن التمييز قد يحدث في بعض المؤسسات التي تتلقى تمويلا مدنيا غير حكوميا، و إن كان يفضل حتى في تلك المؤسسات أن "يفتح المصريون قلوبهم لكل بني وطنهم، لأن عمل الخير يجب أن يكون للجميع" على حد قوله.

Tuesday, April 24, 2007

11 مايو مؤتمر لمعلمي مصر في التجمع

نشر بموقع عشرينات

أحمد بلال

يعقد مكتب المعلمين لحزب التجمع مؤتمرا عاما لمعلمي مصر يوم الجمعة 11 مايو المقبل في المقر المركزي للحزب بالقاهرة و ذلك لمناقشة قضية "كادر المعلمين" و النقابة و تبني حقوق المعلمين و العاملين بالتربية و التعليم، صرح بذلك د. محمد رفعت أمين المهنيين بالحزب و الذي أكد أن المؤتمر المزمع عقده سيدعى إليه نواب في مجلس الشعب، رؤساء أحزاب، أساتذة جامعات و جمعيات أهلية بالإضافة إلى المعلمين لتبني القضية بشكل مجتمعي.
و أكد أشرف الحفني أمين التجمع في شمال سيناء و مقرر رابطة المعلمين الأحرار أن "المؤتمر هو وسيلة تنسيق خاصة بالمعلمين لمناقشة الأشكال الاحتجاجية و التي من الممكن أن تصل لمقاطعة امتحانات الثانوية العامة"!، و كشف الحفني عن اتفاق مع أمين عام النقابة محمد كمال سليمان – عضو لجنة السياسات – يقضي بعمل إضراب في أول إبريل إذا لم يحدث تقدم في مشروع الكادر حتى شهر مارس، إلا أن أمين النقابة تراجع، و يقول الحفني "هناك اتجاه في الدولة للفصل بين المطالب و كيفية تنفيذها، لذلك فإن النقابة تطالب ببعض المطالب و لا تدعو المعلمين إلى أي طريقة لكيفية تنفبذها، و هذا ما نرفضه، لأن المطالب و كيفية تنفيذها وجهين لعملة واحدة".
المؤتمر الذي سيعقد في 11 مايو القادم في التجمع سيطالب بحد أدنى لمرتب المعلم عند بداية التعيين يحقق كرامته المهنية و الاجتماعية و المادية، و يتدرج على قاعدة الأجر مقابل العمل و تساوي الأجر عن تساوي العمل، و فصل حافز التدريب عن المرتب، و إلغاء كل المواد المتعلقة بإعطاء بعض الجهات و الهيئات المستقلة بمنح ما يسمى بـ"شهادة صلاحية" للمعلمين و المطالبة باستبدالها بكارنية النقابة.
كما سيناقش المؤتمر قضية إعادة تكليف خريجي كليات التربية بديلا عن التعاقد المؤقت، و سرعة إجراء الانتخابات النقابية المتأخر اجرائها منذ سنة 2005، و المطالبة بتغيير قانون نقابة المعلمين.
و كان مكتب المعلمين بالتجمع قد ناقش قضية كادر المعلمين في الفترة الأخيرة و أصدر بيانا وقعت عليه رابطة معلمي الجيزة، رابطة المعلمين الديمقراطيين بالقاهرة، رابطة المعلمين الأحرار بشمال سيناء و العاملين بتكنولوجيا التعليم بالمنوفية، و طالب البيان بأجر عادل و فصل الحافز عن المرتب.
وعقدت ورشة عمل في التجمع يوم الجمعة 20 إبريل لمناقشة خصخصة التعليم و رؤية الحزب للتعليم و الكادر و صدر عنها بيان بعنوان "من أجل أجر عادل و نقابة حرة للمعلمين"، كما خرجت الورشة بضرورة عقد مؤتمر عام لمعلمي مصر يدعى له سائر المعلمين و كافة القوى السياسية و المدنية و النقابية.
يذكر أن المشروع الحكومي للكادر الذي يرفضه المعلمون سيتم على مرحلتين حيث قرروا أن يكون بنسبة 50% من الأساسي بحد أقصى 220 جنية، بالرغم أنه لا يوجد في الميزانية التي أقرت مؤخرا أموالا خاصة بذلك!!، أما المرحلة الثانية فهي بدل اعتماد يصل إلى حوالي 150%، و تشترط حصول المدرسين على "شهادة صلاحية" كشرط لتطبيقها، و التي تصدرها "أكاديمية المعلم"، التي لم يتم تأسيسها حتى الآن، إلا أن المعلومات التي تسربت حول مجلس إدارتها تشير إلى أن معظمه سيكون من رجال الأعمال و لا يوجد من بينه ممثلا للنقابة.

Tuesday, April 17, 2007

ناجي العلي .. كان صاحبي يامه

ء* نشر بموقع عشرينات

كتب : أحمد بلال

محمود الجندي : هي الجيوش العربية مش هتيجي !؟
نور الشريف : الجيوش العربية مش فاضية
محمود الجندي : ليه .. هي بتحارب في حتة تانية !!!؟
كان ذلك أحد مشاهد فيلم "ناجي العلي" .. و الذي يبدأ أثناء تعرض إحدى المناطق اللبنانية للقصف الإسرائيلي في حرب لبنان الأولى، و أثناء القصف يخرج نور الشريف ( ناجي العلي ) مسرعا من أحد المخابئ لإحضار "الداية" لتوليد إحدى السيدات في المخبأ، و يفاجأ بمحمود الجندي ( مواطن ) يسير سكرانا و ممسكا بزجاجه من الخمر في يده، و يدور بينهما الحوار السابق، و بعد كل هذه السنين بين حرب لبنان الأولى و الثانية، لا يوجد جواب لسؤال المواطن "هي الجيوش العربية مش هتيجي !؟ إلا جواب نور الشريف أو ناجي العلي "الجيوش العربية مش فاضية".
"ناجي العلي" .. الذي مرت على محاولة الاغتيال التي أدت إلى وفاته 19 عاما، لم يكن فنانا عاديا، كان يرسم و لكن فقط للوطن، لم يعرف يوما خطوطا حمراء و كان ذلك سبب اغتياله، كان الخط الأحمر الوحيد في حياته هو أنه "ليس من حق أكبر رأس أن يوقع وثيقة اعتراف و استسلام لإسرائيل" كما قال حرفيا، سافر إلى العديد و العديد من البلدان إلا وطنه، حمل همومنا معه أينما رحل، كان دائما يعبر عنا، كانت رسومات ناجي العلي هي لسان حال الفقراء و المطحونين و المضطهدين في وطننا العربي من المحيط إلى الخليج فيقول "أنا شخصيا منحاز لطبقتي، منحاز للفقراء، وأنا لا أغالط روحي ولا أتملق أحدا .. القضية واضحة ولا تحتمل الاجتهاد، الفقراء هم الذين يموتون، وهم الذين يسجنون، وهم الذين يعانون المعاناة الحقيقية"، هذه بعض ملامح شخصية "الإنسان العربي" كما كان ناجي العلي يعرف نفسه، و لكن ترى من هو ناجي العلي ؟

اسمه بالكامل "ناجي سليم حسين العلي" ولد في قرية الشجرة بفلسطين( بين طبريا و الناصرة ) عام 1936، لم يتنفس نسيم فلسطين إلا عشر سنوات فقط، حيث كانت أسرته من بين العرب الذين هجرتهم العصابات الصهيونية من فلسطين عام النكبة في 1948، و منذ ذلك التاريخ لم يعرف ناجي العلي معنى لكلمة الاستقرار أبدا، فبعد أن مكث مع أسرته في مخيم "عين الحلوة" بلبنان، وتعلم في مدرسة "اتحاد الكنائس المسيحية" حتى الابتدائية حيث كانت ظروف أسرته المادية لا تسمح له باستكمال تعليمه، عمل بعدها عاملا بسيطا في البساتين، ثم رحل إلى طرابلس ليتعلم مهنة أخرى، فالتحق بمدرسة مهنية هناك وتعلم الميكانيكا، ومنها سافر للسعودية ليعمل ميكانيكيا لمدة عامين، و لما كان الرسم هو حياة ناجي .. فقد عاد مرة أخرى إلى بيروت للدراسة في أكاديمية لتعليم الرسم، لكنه لم يمكث بها أكثر من شهر بسبب ملاحقة الشرطة له بعد التحاقه بحركة القوميين العرب.
"ارسم .. لكن دائما عن الوطن" .. كانت تلك كلمات "أبو ماهر اليماني" الذي كان يدرس الرسم لناجي في مدرسته الابتدائية، و كانت وصية طبقها ناجي بحذافيرها، فلم يرسم لنا ناجي إلا عن الوطن، كان ناجي يرسم لوحاته و يعلقها على جدران المخيم، و في أحد الأيام كان الشهيد غسان كنفاني في جولة في مخيم عين الحلوة، و لاحظ رسومات ناجي على جدران المخيم فبهرته، و أخذ منها ثلاث لوحات و نشرها، و كانت ذلك بداية الظهور الإعلامي للفنان ناجي العلي، و كانت أول لوحات ناجي هي "الحرية" .. و هي عبارة عن خيمة تعلو قمتها يد مصممة على التحرير.
في عام 1963 انتقل ناجي إلى الكويت، ليعمل رساما في صحيفة الطليعة الكويتية التي كانت لسان حال حركة القوميين العرب آنذاك، و منها انتقل ناجي للعمل في عدة صحف أخرى كالسياسة الكويتية، السفير اللبنانية، القبس الكويتية و جريدة القبس الدولية التي قضى فترة عمله فيها في لندن من عام 1985 و حتى 1987، بعد أن قامت بعض الأنظمة العربية بالضغط على الحكومة الكويتية لإبعاد ناجي من الأراضي الكويتية .. رسومات ناجي العلي جعلت من الأوطان سجنا لهؤلاء الحكام، فقرروا الضغط على ناجي بإبعاده عن الوطن، و هم لا يعرفون أن ناجي يحمل وطنه معه أينما ذهب، و حريته لم يفقدها طالما بقيت معه ريشته.
حنظلة .. الرمز الذي استخدمه ناجي العلي في كل رسوماته، الوحيد الذي ولد و عمره 10 سنوات، و الوحيد الذي ولد ليبقى، يقول عنه ناجي "أسميته حنظلة كرمز للمرارة، في البداية قدمته كطفل فلسطيني، لكنه مع تطور وعيه ، أصبح له أفق قومي ثم أفق كوني إنساني"، عمره عشر سنوات، و هو نفس عمر ناجي عند تهجيره من فلسطين، ستجده في كل لوحات ناجي واقفا بملابس بالية حافي القدمين، استخدمه ناجي في البداية كمقاتل و شاعر في لوحاته، و بعد عام 1973 حين بدأ يلوح في الأفق أن هناك تطبيعا و أن العلم الصهيوني سيرتفع فوق سماء عاصمة عربية أخرى هي القاهرة، ليس بقوة السلاح، و إنما وسط تهليل و تصفيق من حكامها، عندما أحس ناجي بهذه الكارثة أدار حنظلة ظهره لنا جميعا، ليخفي دمعة ولدت في عينيه، على الوطن الذي يفرط فيه حكامه.
في يوم الأربعاء 22 يوليو1987، و في لندن عاصمة الضباب، حمل ناجي رسومه كالعادة متجها إلي مكان عمله في شارع ايفز وسط لندن حيث جريدة "القبس الدولية"، كان هناك أيضا من هو مهتم بأن يذهب ناجي إلى عمله في ذلك اليوم، بل كان اهتمامه أكبر من اهتمام ناجي نفسه بالذهاب إلى العمل، و في حوالي الساعة الخامسة و الربع عصرا انطلقت رصاصة غادرة من مسدس كاتم للصوت، نقل على أثرها ناجي إلى المستشفى غارقا في دمائه و غيبوبة استمرت حتى لفظ أنفاسه الأخيرة في 29 أغسطس 1987، كانت وصيته أن يدفن في تراب وطنه الذي حرم منه، إلا أن الحكومة البريطانية رفضت عودة الجثمان.
واجهوا الريشة بالرصاص، فكانوا في أسفل السافلين و كان هو "العلي"، قتلوه أولا بالرصاص و ثانيا عندما تم تفجير تمثاله في مدخل عين الحلوة، و يصور ناجي حاملاً رسومه في يده اليسرى، و ذراعه اليمنى على هيئة قبضة قوية، و الغريب أن هذا التمثال قد اختفى و لم يعرف مكانه حتى الآن!!!، و اغتالوه ثالثا عندما منعوا عرض الفيلم الذي يحكي قصة حياته و قام ببطولته نور الشريف و محمود الجندي و أخرجه عاطف الطيب، بل منعوا تصويره في مصر و اتهموا نور الشريف بالخيانة العظمى لتجسيده شخصية ناجي العلي !!!.
إلى ناجي العلي الفنان و الشهيد و الصديق الذي لم أراه .. بهذه الكلمات أهدى الشاعر عبد الرحمن الأبنودي قصيدته الموت على الأسفلت لروح الشهيد ناجي العلي و التي بدأها قائلا "أمّاية ... وانتي بترحي بالرحى .. علي مفارق ضحي .. وحدك وبتعددي علي كل حاجة حلوة مفقودة ... ماتنسينيش يامّه في عدودة .. عدودة من أقدم خيوط سودا في توب الحزن ... لا تولولي فيها ولا تهللي .. وحطي فيها اسم واحد مات، كان صاحبي يامّه .. واسمه ناجي العلي"

שלום עליכם .. "شالوم عليخم" من النادي اليوناني

ء* نشر بموقع عشرينات

هاآرتس الصهيونية : ترجمة : أحمد بلال

إذا كنت تملك شيئا ثمينا, فإنك تكون سعيدا جدا عندما تسمع كلمات الإعجاب من الجميع بهذا الشئ, و لكنك أيضا ستكون في قمة القلق, لو أن لصا نظر إلى هذا الشئ نظرة إعجاب واحدة, و لو حتى دون أن ينطق بأي كلمة, لأنك تعرف تماما ما جاء في بال هذا اللص.
و هكذا هو الأمر مع القاهرة, فأن يتغزل بها الجميع, فهو أمرا عاديا جدا, بل و يزيدنا حبا فيها, أما أن يعجب بها صهيونيا, فذلك ما يدعو للقلق, قد يقول البعض ماذا سيفعلون أكثر مما فعلوا ؟!!!, أخرجونا من دائرة الصراع العربي الصهيوني, و رفعوا خرقة بالية عليها خطان أزرقان و نجمة سداسية في سماء القاهرة, و كأنهم بتلك الخرقة التي تسمى علما, يعلنون أن عدو اليوم أصبح صديق, و بعد سنوات طويلة, تأكدوا أن ذلك لم يكن إلا وهما, فأطفالنا يرضعون كره الصهاينة مع الحليب من ثدي أمهاتهم, فجاؤوا إلينا من جديد, ليحررونا كما يقولون من فوبيا الإسرائيليين!!.
الصهيوني بني تسيفر, الصحفي في جريدة هاآرتس الصهيونية, أرسل لجريدته موضوعا من القاهرة نشر يوم الأربعاء الماضي, تناول فيه يومياته في القاهرة, و محاولاته لإخراج بعض المصريين من "فوبيا الإسرائيليين" كما سماها, فكتب يقول .. "يقال أن تل أبيب مدينة بها حياة ليلية صاخبة, و لكنني من الصعب علي أن أتقبل هذا, و يمكنني القول أن تل أبيب مدينة ميتة بالمرة في معظم الليالي, تدب فيها الحياة الليلية في نهاية الأسبوع فقط, ثم ما تلبث أن تعود إلى موتها, و هذا ليس بالضبط ما يمكن أن يوصف بأنه "مدينة بلا توقف".
القاهرة .. على العكس تماما, فهي المدينة التي لا تخلد للنوم حقا, الآن على سبيل المثال, نصف ساعه بعد منتصف الليل, نزلت من غرفتي لأشتري زجاجة مياه غازية, الشوارع لا تزال ممتلئة و عدد من المحلات لا يزال مفتوحا.
ما يمكن أن تفعله في مدينة حية مثل هذه من وجهة نظري هو التجول في الشوارع, في تل أبيب, مثل دول كثيرة في العالم الثالث, الفقراء و كبار السن فقط هم الذين يتجولون مشيا على الأقدام, أما الباقي فبالسيارات, و لكن الوضع لا يكون كذلك دائما, ففي القاهرة الصورة غير منطقية إطلاقا, الفقر هنا مثل الثراء, الجميع يمتزجون ببعضهم البعض في الشوارع, مما يخفف حدة الاغتراب بينهم.
خرجت هنا لأماكن التجمعات التي لم أشعر فيها بأي حيرى أو ارتباك, كان ذلك أمس في "النادي اليوناني", أحد الأماكن القدية و الغالية في القاهرة, يقع النادي اليوناني في الطابق الأول من مبنى ضخم يقع في ميدان طلعت حرب, فوق مقهى جروبي التاريخي, عند الدخول يتم دفع خمسة جنيهات, باستثناء أعضاء النادي, و هم أبناء الجالية اليونانية بالقاهرة, الموسيقى اليونانية و قاعة النادي, و الثريات القديمة, و السجاد المفروش على الأرض, يأخذك لأماكن بعيدة و جميلة.
كنت هناك مع صديقتي شيماء, رسامه مصرية عائدة للتو من حلب السورية, حيث كانت تعرض لوحاتها هناك, طلبت منها أن تحكي لي عن سوريا و عن رجالها, حيث أننا نؤمن في إسرائيل أن سوريا دولة مخربة و لا ترحم, لم تفهم شيماء جيدا عما أتحدث, فحكت لي أن الرجال الذين قابلتهم هناك كانوا لطافا جدا, و ودودين جدا, و أن حلب مدينة ساحرة الجمال, و مرممة بشكل مذهل.
زيارة سوريا بالنسبة لها كانت شيئا عاديا, ليس مثلنا الذين نرى في سوريا عدوا لنا, و نؤمن أنه في الساعه التي سنكون فيها بدون قوة فلن يكون لنا وجود في هضبة الجولان السورية, و لذلك فإن أي محاولة لعمل مفاوضات مع سوريا تصيب قيادات إسرائيل بالرعب, و يتضح ذلك من الضجة التي فعلوها عندما سمعوا أن أعضاء الكنيست العرب مسافرون إلى سوريا, و كأنهم سافروا للقاء هتلر, في اعتقادي أن العلاقة بسوريا خرجت تماما من نطاق المنطقية و انقلبت إلى فوبيا.
حضرت إلى القاهرة لعدة أسباب, و منها محاولة إخراج البعض من دائرة فوبيا الإسرائيليين, عن طريق أن تشرب بيره "ستيلا" في النادي اليوناني, أن تقول "شالوم" لفرقة وسط البلد الموسيقية الموجودين على الطاولة المجاورة, و الذين حضرت لهم عرضا في السنة الماضية, و قد تعرفت أيضا على بعضا منهم, كل ذلك كان بالأمس, و اليوم جلست مع مجموعة من الأصدقاء, رجال السفارة التركية بالقاهرة, في بار اسمه "دون كيشوت" في الزمالك, الحاضرون عددهم قليل, إلا أن معظمهم من الراشدين, أحاول أن أخمن استقبال إسرائيليين في بار مغلق كهذا, الموسيقى فيه ليست مزعجة, ويمكن الجلوس فيه مع الأصدقاء و الشعور بالراحة.
قررت أن أذهب في الصباح لمكتبة الديوان في الزمالك, لأشتري كتابين, اشتريت أحدهم ذات مرة و لكنه سرق مني, و هو كتاب عن التصميم المعماري للقاهرة, و لكن قدمي حملتني إلى مكان آخر, فجأة انحرفت إلى مساكن لم أدخلها إطلاقا طوال عشرات الزيارات التي قمت بها للقاهرة, كانت هذه المساكن هي بولاق, و هي واحدة من مساكن القاهرة الفقيرة.
عندما أقول أن الفقر القاهري ثراء كبير, فأنا لا أتحدث بمثالية, فالأكل القاهري الفقير ألذ و أطيب من ذلك الأكل الغالي في تل أبيب, الطيور هنا تذبح أمام العيون و لا تمر بعمليات الإعداد تلك التي تقوم بها معامل الطيور الإسرائيلية, الليمون هنا مدهش, و كم هو لذيذ أن تعصر ليمونة مصرية في كوب شاي.
وهنا مكان يجب أن يأكل منه كل من يأتي إلى القاهرة, و هو مطعم الفول الشعبي "الجحش" ( و تعني حمار ), و يقع في الطريق بين مسجد السيدة زينب و مسجد ابن طولون في القاهرة, كل فرد هنا له مطعك الفول المحبب إليه، و لكن "الجحش" ببساطة مطعم فول من النوع الخرافي, و قد أحببت فيه الفلافل أيضا المصنوعة من الفول, ذهبت إلى هناك و جلست على طاولة, و أخذت طبق فول و طبق فلافل عليهم خضروات, و سلطة خضروات و خيار و حمضيات و مياه معدنية, و أكلت حتى شبعت, بسبعة جنيهات فقط, أي حوالي خمسة شيقلات أو أقل.
في المقهى القريب جلس العشرات يشاهدون مباراة كرة القدم بين فريق الأهلي المصري و فريق من نيوزيلنده, و بين الحين و الآخر تتعالى صيحات الفرح من هناك, و خاصة بعد معرفة النتيجة النهائية, و بدأت السيارات تزمر من الفرح بسبب فوز الأهلي, و برغم أنه ليس عندي أي فكرة عن كرة القدم, إلا أنه خطرت في بالي فكرة, أنه في نقابل تلك الحروب الحمقاء كان من الممكن أن نقيم حوار بين الدول بواسطة الألعاب الرياضية, و بذلك نرتاح, إسرائيل تلعب ضد سوريا و من يفوز سيأخذ الجولان, و تلعب إسرائيل ضد لبنان و من يفوز يأخذ مزارع شبعا, و هكذا تلعب إسرائيل ضد الفلسطينيين.
العالم كبير و جميل, و أنا أريد أن أتوقف لأرى بعيني حلب الجميلة, و دمشق التي يحكى عن روعتها, و أن أكون حرا في السفر بسيارتي من مدينتي إلى إسطنبول, عن طريق سوريا و لبنان, في مصر أحتفظ الآن بصديقة أرادت أن تنضم إلي في ذلك."

زهور المقاومة

نشر بموقع عشرينات*
كتب : أحمد بلال

الرقة .. الحب .. الرومانسية .. الجمال، كلها كلمات تعني عند البعض منا شيء واحد فقط، هو .. المرأة، الطاعة .. راحة الرجل .. التزام المنزل .. تربية الأطفال، كلمات أخرى تعني عند آخرين شيء واحد فقط أيضا هو .. المرأة.
المقاومة .. الشهامة .. الفداء .. الدفاع عن الوطن .. الشرف .. الكرامة، كلها كلمات ارتبطت في ذهن الأغلبية منا بالرجل، و هذا ليس غريبا على مجتمع ذكوري كمجتمعنا، الواقع وحده هو الذي أثبت خطأ هذه المعادلات، فبينما كان الرجال يساومون على الوطن و يفرطون في ترابه، و بينما كان الرجال و خاصة القادة و الحكام، يركعون و يسجدون و يسبحون و يحمدون و يشكرون العدو الأمريكي الصهيوني، كانت المرأة العربية تدفع من دمائها و عمرها ثمنا لحرية وطنها الذي فرط فيه .. الرجال.
"نحن شعب يطالب بحقه .. بوطنه الذي سرقتموه .. ما الذي جاء بكم إلى أرضنا ؟" ... " لتعلموا جميعا أن أرض فلسطين عربية، وستظل كذلك مهما علت أصواتكم وبنيانكم على أرضها" .. كلمات قد لا يستغربها أحدكم، فمثقفينا لا يكفون عن الطنطنة بها في مجالسهم ليل نهار، و قياداتنا السياسية و الحزبية لا يكفون عن الصراخ بها في مؤتمراتهم ليل نهار، أما ما يميز هذه الكلمات فهو أنها قيلت في المكان المناسب، على أرض فلسطين المحتلة، على مرأى و مسمع من الصهاينة، و في الوقت المناسب، أثناء عملية استشهادية، قادتها المناضلة الشهيدة دلال المغربي، و هي نفسها التي صرخت بهذه الكلمات في وجه من اغتصبوا وطننا.
ولدت دلال عام 1958، لأسرة فلسطينية من يافا لجأت إلى لبنان في أعقاب النكبة عام 1948، و تلقت تعليمها في المرحلة الابتدائية و الإعدادية بمدارس تابعة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين في بيروت، و انخرطت دلال في صفوف شبيبة حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، و اشتركت من خلالها في عدة معسكرات للتدريب العسكري حيث تدربت على السلاح و حرب العصابات.
و في عام 1987، قررت حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، القيام بعملية فدائية كبيرة، ترد بها على اغتيال الشهداء كمال عدوان، كمال ناصر و محمد النجار، اللذين اغتالتهم وحدة كوماندوز صهيونية بقيادة رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق إيهود باراك في منازلهم ببيروت، كما هدفت العملية أيضا إلى لفت أنظار العالم لقضية شعبنا العربي الفلسطيني.
العملية التي خطط لها أبو جهاد، لم تكن عملية تقليدية، فالهدف منها هو اقتحام مبنى الكنيست الصهيوني، و الطريقة هي عملية إنزال بحري على شواطئ يافا، و القيادة سلمت لفتاة لم تتجاوز العشرين ربيعا، اسم العملية كان معبرا عن هدفها فسميت بعملية "كمال عدوان"، حتى اسم المجموعة الفدائية فكان "دير ياسين"، لتذكير العالم بمذبحة دير ياسين التي ارتكبها رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك مناحم بيجن، و لما كانت عملية "كمال عدوان" عملية فريدة من نوعها، فكان من الطبيعي أن يكون منفذيها مقاتلين من طراز خاص، و بالفعل تم اختيار 13 مقاتلا بعد تدريبهم تدريبا خاصا، و كان على رأسهم دلال المغربي.
كانت الخطة تقضي بعملية إنزال على شواطئ يافا يقوم بها المقاتلون الفلسطينيون بواسطة زوارق مطاطية، بعدها يختطفون حافلة نقل صهيونية و يتجهون به إلى تل أبيب حيث الكنيست الصهيوني، بالفعل تم تنفيذ العملية كما خطط لها في 11 إبريل 1978، نزلت المجموعة إلى الشاطئ ثم انطلقت إلى الطريق العام قرب مستعمرة (معجان ميخائيل)، و هناك استطاعت المجموعة توقيف أتوبيس ركاب، و اختطافه بركابه البالغ عددهم 30 صهيونيا كرهائن، و في الطريق تمكنت المجموعة من السيطرة على أتوبيس ثان و نقلوا ركابه إلى الأول ليصل العدد إلى 68 رهينة.
كان وجود الفدائيين، على أرض فلسطين المحتلة، أمرا مستحيلا في نظر الصهاينة، فساد الرعب بين الرهائن الصهاينة حتى على صوت دلال قائلا لهم "نحن لا نريد قتلكم .. نحن نحتجزكم فقط كرهائن لنخلص إخواننا المعتقلين في سجون دولتكم المزعومة من براثن الأسر .. نحن شعب يطالب بحقه، بوطنه الذي سرقتموه، ما الذي جاء بكم إلى أرضنا ؟"، كانت دلال تتحدث باللغة العربية، لغة الأرض التي تسير عليها، و لكنها لم تكن لغة من استوطنوها، فلم يفهموها، حتى خرج من بين الرهائن فتاة صهيونية من أصل مغربي، عملت على ترجمة ما تقوله دلال، و وجهت دلال خطابها للصهاينة مرة أخرى قائلة "لتعلموا جميعا أن أرض فلسطين عربية وستظل كذلك مهما علت أصواتكم وبنيانكم على أرضها"، ثم أخرجت دلال من حقيبتها علم فلسطين وقبلته بكل خشوع ثم رفعته داخل الأتوبيس.
اجتازت مجموعة "دير ياسين" بقيادة دلال عدد من الحواجز التي نصبها الصهاينة على الطريق في محاولة لمنعها من الوصول لهدفها، و عند كل حاجز كانت تدور معركة، تنتصر فيها دلال و مجموعتها، و تواصل التقدم، حتى وصلوا إلى مشارف تل أبيب حيث يوجد الكنيست، و لما لم تنجح حكومة الكيان الصهيوني و جيشها في التصدي للمجموعة الفدائية على مدار ساعتين متواصلتين، فقد أصدرت أوامرها لوحدة من القوات الخاصة في الجيش الصهيوني للتصدي للفدائيين و كان على رأس هذه الوحدة إيهود باراك.
تمركزت الوحدة الصهيونية الخاصة على مشارف تل أبيب، و عند وصول الأتوبيس تحركت المدرعات و الآليات الصهيونية لمقابلته، بعد أن أمرهم باراك بإيقاف المجموعة مهما كلف الأمر، فجروا إطارات الأتوبيس، و طلبوا من الفدائيين الاستسلام، و بالطبع قوبل طلبهم بالرفض، فمثل هؤلاء الذين حملوا أرواحهم على أيديهم إيمانا منهم بعدالة قضيتهم، لا يؤمنون إلا بشيئين .. فإما النصر .. أو الشهادة.
لم يكن القرار عندها يحتمل التأويل، المقاومة حتى الرصاصة الأخيرة، أمرت دلال رفاقها بمواجهة القوة الصهيونية بأسلحتهم الخفيفة، و دارت معركة طاحنة بين الطرفين أسفرت عن مقتل 30 صهيونيا و جرح أكثر من 80 حسب ما أعلنته المصادر الصهيونية آنذاك، و في الجانب الآخر استشهد أحد عشر فدائيا، و أسر آخر، و نجح فدائي في الفرار، و .. استشهدت دلال المغربي .. في يافا .. مدينتها التي لم تراها في حياتها إلا يوم شهادتها، فتنفست من هوائها .. و روت أرضها بدمائها.
الجرأة التي نفذت بها عملية "دير ياسين" أذهلت الكيان الصهيوني، و لكن ما أذهله أكثر هو ما قيل لباراك عندما انقض على الفدائي الأسير ليسأله عن قائد المجموعة، فأشار بيده إلى فتاة مضرجة في دمائها، و بالطبع لم يصدق باراك، فكرر سؤاله مرة أخرى فأجابه الفدائي الأسير .. "إنها دلال المغربي".
ليلى خالد
"مش انت اللي لازم تموت .. ليش مت هيك .. مش أنت اللي تموت .. أنا اللي لازم أموت .. أنا الفلسطينية .. أنا اللي لازم أموت".
كانت تلك صرخات المناضلة ليلى خالد، أو "الرفيقة شادية"، و هي تندب رفيقها المناضل الأممي النيكاراجوي باتريك أرغويلو، بعد استشهادة أثناء إحدى عمليات خطف الطائرات التي ابتدعتها ليلى خالد.
ولدت ليلى خالد عام 1944، في مدينة حيفا، و بعد أربع سنوات فقط، لجأت أسرتها إلى لبنان بعد أن هجرها الصهاينة من موطنهم، و هناك تلقت ليلى خالد تعليمها، حتى بدأت نضالها و هي بنت الخمسة عشر ربيعا، عندما التحقت بـ"حركة القوميين العرب".
سافرت ليلى للعمل في الكويت، و هناك نشطت في حركة القوميين العرب التي كانت تعمل بشكل سري في الكويت، كان حلمها أن تكون واحدة من هؤلاء العربيات اللائي ضربن أروع الأمثلة في الفداء و التضحية بالروح في سبيل الوطن، عادت من الكويت و طلبت من قيادتها في الحركة الاشتراك في العمليات العسكرية، التي تقوم بها الحركة داخل أرض فلسطين المحتلة.
انضمت ليلى خالد إلى "شعبة العمليات الخارجية"، في حركة القوميين العرب التي تغير اسمها في فلسطين إلى "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أظهرت ليلى خالد و التي عرفت بالاسم الحركي "الرفيقة شادية أبو غزالة"، مهارة كبيرة في التدريبات العسكرية التي تلقتها في الأردن، حتى كلفها المناضل الدكتور وديع حداد القيام بعملية فدائية، و هو ما كان حلما جميلا تحلم به ليلى ليل نهار، و لكن العملية المنوط بليلى خالد القيام بها لم تكن عملية عسكري كلاسيكية، و إنما كانت .. خطف طائرة أمريكية متجهة إلى تل أبيب.
"تشي جيفارا"، الثائر الاشتراكي الأممي، كان اسمه هو نفس اسم المجموعة التي نفذت عملية خطف الطائرة، و التي تشكلت من ليلى خالد أو "الرفيقة شادية" التي لم يتجاوز عمرها في ذلك الوقت 25 عاما، و رفيق لها من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، و في 28 أغسطس 1969، تم تنفيذ الخطة، و اختطاف الطائرة الأمريكية التي أقلعت من روما و التي كان من المفترض أن يكون على متنها إسحق رابين، إلا أنه غير الطائرة في اللحظات الأخيرة و عاد إلى فلسطين المحتلة على طائرات شركة العال الصهيونية.
بعد نصف ساعة من إقلاع الطائرة، اتجهت ليلى خالد مع رفيقها إلى غرفة القيادة و أعلنوا لكابتن الطائرة أن القائد الجديد هو "الرفيقة شادية"، و أن الطائرة تم اختطافها ليلفتوا أنظار العالم لقضية الشعب الفلسطيني، و لتحرير الأسرى الفلسطينيين، في سجون الاحتلال الصهيوني، اتخذت ليلى خالد اسم "الجبهة الشعبية .. فلسطين حرة عربية" اسما للطائرة المختطفة، و خاطبت مطارات العالم من الطائرة معلنة اسم الطائرة المختطفة، و الذي كانت تردده المطارات بمختلف اللغات.
تقول ليلى خالد " صرت أحكي مع مصر فهو اللي على البرج صار مثل المصروع الله إيه ده مين دي؟ أبصر شو أقوله الجبهة الشعبية فلسطين حرة عربية بردش عليك إذا خاطبتني بنفس الكود وصار يقول الله يا جبهة يا شعبية يا فلسطين يا حرة يا عربية، رايحين فين قلت له رايحين زيارة على فلسطين قال إيه ده دي مجنونة اللي فوق ولا إيه؟، بالطبع كان الرجل يقصد ما يقول، فما يعرفه أن العودة لفلسطين حلما بعيد المنال، حتى صدم بفتاة في الخامسة و العشرين، تقول له بكل هدوء و كل بساطة، "رايحين زيارة على فلسطين".
و عندما وصلت الطائرة إلى سماء فلسطين المحتلة، طلبت ليلى خالد من برج المراقبة أن يردد اسم الطائرة، و بالطبع كان صعبا على صهيونيا أن يردد "الجبهة الشعبية .. فلسطين حرة عربية"، و بشكل عفوي أمسك كابتن الطائرة الأمريكي المايك، و أبلغ الصهيوني أن عليه ترديد اسم الطائرة و إلا ستنفجر بمن عليها، و على الفور ردد الصهيوني اسم الطائرة، و بكل بساطة تقول له ليلى خالد، "لا أسمعك، قلها مرة أخرى"، و كأنها تنزع منه اعترافا بعروبة فلسطين، و حقه في التحرر منه و من أمثاله.
حلم العودة إلى الوطن .. حلما راود ليلى طوال عمرها، بل و حتى الآن، فعندما وصلت إلى سماء فلسطين، أمرت الطيار أن يطير على مستوى منخفض فوق مدينة حيفا، و شرحت له هو ركاب الطائرة السبب، في محاولة للفت أنظار العالم إلى قضية اللاجئين، فقالت لهم أنها و رفيقها من حيفا، و هجروا منها، و يحلمون بالعودة إليها مرة أخرى، و يحلمون الآن فقط برؤية حيفا و لو حتى من السماء.
حطت الطائرة في مطار دمشق، و أجلوا منها جميع ركابها، و تفاوض السوريين مع الصهاينة عبر الصليب الأحمر، و تم تبادل 6 صهاينة بـ 13 سوريا من بينهما طياريين عسكريين، كان ذلك التبادل أقل من مطالب مجموعة "تشي جيفارا"، و لكنه كان نجاحا على أية حال، بعدها فجرت ليلى خالد الطائرة، و سلمت ليلى خالد و رفيقها نفسيهما إلى السلطات السورية، و بعد فترة، عادت إلى الأردن و منها إلى لبنان.
بعد عام واحد على تنفيذ العملية الأولى، تم تكليف ليلى خالد بخطف طائرة أخرى تابعة لشركة العال الصهيونية، لم يكن الأمر سهلا هذه المرة، فليلى خالد أصبحت مطلوبة دوليا، و صورها ملأت الصفحات الأولى من الصحف و المجلات على مستوى العالم، و لكن كل ذلك لم يعني شيئا لليلى خالد، فحلم العودة عندها أكبر من أي شيء.
أجرت ليلى عملية جراحية بسيطة لتغيير ملامح وجهها، و صعدت على طائرة العال الصهيونية مع رفيقها النيكاراجوي، بجوازات سفر هندوراسية، يوم السادس من سبتمبر 1970، من مطار أمستردام، كان على متن الطائرة أهارون باريتز، رئيس المخابرات العسكرية الصهيونية آنذاك، و كان من المفترض أن يصعد معهما رفيقين آخرين إلا أنهما تم منعهما من صعود الطائرة بحجة عدم وجود أماكن كافية، و تم الحجز لهما على طائرة "بان أميريكان" فقاما باختطافها هي الأخرى.
في اللحظة المناسبة .. تحركت ليلى خالد مع رفيقها النيكاراجوي باتريك، تحركت ليلى للهجوم على غرفة القضايا، و حاول باتريك السيطرة على الطائرة، إلا أنه فوجئ بستة من المسلحين، من الحرس الخاص لرئيس الاستخبارات العسكرية الصهيونية يطلقون عليه وابلا من الرصاص، و دارت بينهما معركة غير متكافئة، و لو كان رفيقيهما الآخرين قد تمكنا من الالتحاق بنفس الرحلة لانتهت المعركة نهاية أخرى غير التي انتهت بها.
سقط باتريك متأثرا بجراحه و فوجئت ليلى بمن يضربها على رأسها لتسقط فاقدة الوعي، بعدها حطت الطائرة في مطار لندن، و اعتقلت السلطات الإنجليزية ليلى، بعدها و بشكل عفوي قام باختطاف طائرة من مطار دبي، و لبس "مايوه" سباحة منتفخ، و أوهم قيادة الطائرة بأنه حزام نسف و طلب منهم التوجه إلى بيروت ثم إلى الأردن مطالبا بالإفراج عن ليلى خالد، التي أفرج عنها بالفعل بعد 28 يوما فقط، و عادت بعدها إلى الأردن مرورا بمصر، و مازالت ليلى خالد تواصل نضالها السياسي بين رفاقها في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حتى اليوم.
"لما كنت طالبة شيوعية، و منحدرة من عائلة مسيحية أرثوذكسية إلا أنها لبنانية بالصميم، ألفيتُني منخرطة في الحرب، منذ مراهقتي المبكرة، ضد كل ما يجسد هذا الوجود الغريب في أرضي، ودفعت من حريتي ثمناً لخوضي هذه الحرب، إذ أودعت في الزنزانة بلا محاكمة، ومن دون أن يتسنى لي معرفة سنوات العقوبة المفروضة علي".
هكذا تحدثت سهى بشارة في مذكراتها .. سهى بشارة، زهرة الجنوب المحررة التي ولدت عام 1967، في بلدة دير ميماس في الجنوب اللبناني، و بدأت نضالها السياسي مناضلة في الحزب الشيوعي اللبناني، كانت تدرس الرياضيات في الجامعة قبل عام واحد من تنفيذها عمليتها الفدائية، حين .. قررت ترك دراسة الرياضيات في الجامعة، لتعمل مدرسة باليه في مدرسة مرجعيون، الكائنة على الشريط الحدودي المحتل.
قرار سهى بترك دراستها، و التوجه للجنوب للعمل كمدرسة لرقص الباليه، لم يكن قرارا شخصيا، و إنما تكليفا من قيادتها في الحزب الشيوعي اللبناني، تمهيدا لاغتيال العميل أنطوان لحد قائد ما سمي وقتها بجيش لبنان الجنوبي المتحالف مع الكيان الصهيوني، بعد فترة قصير من عملها في مدرسة مرجعيون، وطدت سهى علاقتها بأسرة العميل و خاصة زوجته، حيث عملت سهى على إعطاء دروسا خاصة لأفراد تلك الأسرة.
و في مساء الاثنين 17 / 11 / 1988، دعت زوجة الجنرال لحد "مدرسة الباليه" سهى بشارة لشرب الشاي معها، رأت سهى في هذه الدعوة اللحظة المناسبة لتنفيذ المهمة المكلفة بها، و بالفعل توجهت سهى إلى منزل العميل أنطوان لحد، و تحدثت مع زوجته حتى وصل لحد إلى المنزل، تحدثت معه سهى في عدد من الموضوعات الخاصة بالعمل الاجتماعي في المنطقة.
"كانت الساعة لم تبلغ الثامنة مساءً بعد، وبدا أنطوان لحد، الجالس عن يميني، يواصل كلامه، وللحظة وقع نظره علي وأخذ يرمقني بشيء من الفضول، جذبتُ نحوي الحقيبة الموضوعة لدى قدمي. وكنتُ هادئة هدوءاً غريباً، دسستُ يدي في الفتحة مشيرة إلى مينرفا بأني جلبتُ لها المفاتيح والشرائط المسجلة التي طلبتها مني، وفي خفية عن الأنظار، قبضت يمناي بشدة على أخمص المسدس. وفيما أنا جالسة، أخرجتُ قبضتي المسلحة بالمسدس من الحقيبة، وببرودة أعصاب، وللحال صوبت، بذراعي اليمنى، نحو قائد الميليشيا، وأسندتُ معصمي بيسراي .. و على التخمين، صوبتُ نحو القلب"، أطلقت سهى ثلاث طلقات من المسدس الذي أعطاه إياها المناضل الشهيد جورج حاوي الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، على العميل أنطوان لحد ليسقط على الأرض بلا حراك.
و عندما سألوها لماذا قتلتيه، ردت سها بكل هدوء و كل تحدي، و لم يكن عمرها يتجاوز 21 عاما في ذلك الوقت "إنما هو الذي يقتلنا .. أنا عضو في المقاومة اللبنانية و أنتمي للحزب الشيوعي اللبناني".
أعتقلت سهى .. و تم نقلها إلى الكيان الصهيوني للتحقيق معها، و بعد حملة ضغط دولية سلمها الكيان الصهيوني لعملاء جيش لبنان الجنوبي بغرض الانتقام منها، و قضت سهى عشر سنوات في سجن الخيام، حتى تم الإفراج عنها في عام 1998.
فتيات عربيات .. أحبوا الوطن .. و ضحوا من أجله، فضربوا أروع أمثال البطولة و الفداء، و أثبتوا لهؤلاء .. الذين لا يرون الرجولة إلا في الشارب أو اللحية أو شيء آخر، أن الرجولة الحقيقية هي الموقف، و رفض الظلم و الذل و الانكسار.

رحيل مهندس العلاقات الاستخباراتية الإسرائيلية- الأمريكية

ء* نشر بجريدة الأهالي
أحمد بلال

أعطت الصحف الإسرائيلية اهتماما بالغا لرحيل رئيس بلدية القدس الأسبق "تيدي كولك", الذي توفي يوم الثلاثاء 2 يناير عن عمر يناهز 95 عاما, المعروف عن "كولك" أنه ولد في فيينا عام 1911, و هاجر إلى فلسطين في 1934, و مع إعلان قيام "إسرائيل" عمل مندوبا للكيان الجديد في واشنطن, ثم عين مديرا لمكتب رئيس الوزراء آنذاك ديفيد بن جوريون, و في عام 1965 تم انتخابه رئيسا لبلدية القدس, و شغل هذا المنصب لمدة 28 عاما حتى عام 1993.
موقع "دبكا" المقرب من الموساد الإسرائيلي تناول موت "كولك" بشكل مختلف, حيث نشر تقريرا بعنوان "تيدي كولك الآخر .. أكبر شخصية استخباراتية في القرن العشرين", مؤكدا أن "كولك" هو الذي بنى تلك العلاقات الاستخباراتية القوية بين الولايات المتحدة و إسرائيل.
يبدأ تقرير "دبكا" من عام 1943 عندما دخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الثانية و اجتياحها للأراضي الإيطالية, "وصل "تيدي كولك" إلى إيطاليا مع اللواء اليهودي, الذي قدمته الوكالة اليهودية بعد عام واحد فقط من ذلك في 1944, و هناك إلتقى بضابط مخابرات أمريكي اسمه "جيمس أنجلتون", الذي كان حينئذ رئيس وحدة الاستخبارات الأمريكية في الجبهة الإيطالية".
كانت تلك هي بداية العلاقة بين "كولك" و المخابرات الأمريكية ممثلة في "أنجلتون", و توطدت العلاقة بينهما خاصة بعد أن أخبره "كولك" عن طبيعة المهمة المكلف بها في الحرب و كانت كالتالي "رجال الوكالة اليهودية الموجودون في إيطاليا سيتقدمون مع القوات الأمريكية لوسط أوربا المحتلة من النازي, ليعملون على إنقاذ اليهود من معسكرات الإعدام و تهجيرهم إلى أرض إسرائيل".
و بالفعل سهلت المخابرات الأمريكية المهمة لـ "كولك" فكانت "السيارات العسكرية التابعة للجيش البريطاني يقودها سائقين يهود من أرض إسرائيل, و منحت لهم صلاحيات غير محدودة في الحركة و كانوا يعبرون بمساعدتهم إلى حيث يوجد يهود أوربا الباقين على قيد الحياة, و يرسلونهم إلى الموانئ في إيطاليا, و من هناك يذهبون إلى إسرائيل عن طريق البحر", كما يؤكد التقرير.
و في مقابل هذه المساعده اقترح "تيدي" على "أنجلتون" اقتراحا لم يستطيع ضابط المخابرات الأمريكي رفضه, و هو أن "جهاز مخابرات الوكالة اليهودية, التي كان "تيدي" أحد رؤسائه, لن يكتفي فقط بتزويد الأمريكيين بأي معلومة تقع بين يديه عن شبكات الجاسوسية التابعة للاتحاد السوفيتي الشيوعي في أوربا و الشرق الأوسط, و إنما سيخترق تلك الشبكات و سيستمر في العمل بداخلها و ينقل المعلومات الاستخباراتية مباشرة إلى واشنطن, من مقر سيقام خصيصا لذلك في تل أبيب".
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في 1946 عاد "جيمس أنجلتون" إلى الولايات المتحدة, و عاد "تيدي كولك" إلى القدس, و لكن العلاقة بينهما لم تنقطع, بل تم تعميقها من جانب "تيدي",
حيث استلم بعد عودته هو و "راؤبن شيلوح" و "إيهود أبريئيل", طلبا من رئيس الوكالة اليهودية آنذاك ديفيد بن جوريون, للاستمرار في فتح علاقات استخباراتية بين الولايات المتحدة و المجلس اليهودي في أرض إسرائيل.
و يؤكد تقرير "دبكا" أن "تيدي" كان "رجل, أو بمعنى أدق دينامو العملية, لأنه كان له دور خاص و حاسم بذلك الاتصال الخاص الذي أقامه بين أكبر و أقوى و أغنى دولة في العالم, و بين الدولة اليهودية التي أقيمت للتو في 1948, و لا يزيد عدد سكانها عن 650 ألف رجل".
و عن دور الموساد الإسرائيلي و تيدي كولك تحديدا في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي يذكر التقرير ""تيدي كولك" شخصيا هو الذي أدخل "جيمس أنجلتون" و الأمريكيين إلى عالم الجاسوسية الروسي, و كشف عن شبكات الجاسوسية الروسية الخطيرة العاملة في فترة الخمسينات و الستينات في ذروة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي, داخل الولايات المتحدة و أوربا و الشرق الأوسط, و أكتفي بأن نذكر هنا أن "تيدي كولك" كان الرجل الذي كشف للأمريكيين الجاسوس البريطاني المعروف كيم فيلبي, الذي كان يتجسس لصالح روسيا, "تيدي" أيضا كان هذا الذي كشف للأمريكيين شبكة الاستخبارات الروسية المركزية في أوربا و الشرق الأوسط و المعروفة باسم "شبكة أكسفورد".
و يضيف التقرير ""تيدي كولك" هو الذي كشف أيضا "إسرائيل بير" الجاسوس الروسي الذي زرعته المخابرات السوفيتية بالقرب من ديفيد بن جوريون, كانت فكرته المتألقة هي تحويل المجتمعات اليهودية في شرق أوربا و الواقعة تحت سلطة الإمبراطورية الشيوعية إلى قواعد استخباراتية تزود تل أبيب بمعلومات, و من تل أبيب إلى واشنطن, عما يحدث في العالم الشيوعي, و كان ذلك الاختراق الاستخباراتي الكبير للكتلة السوفيتية".
و هكذا خرج علينا موقع "دبكا" بذلك التقرير, الذي حول "تيدي كولك" من مجرد أشهر رئيس بلدية للقدس, إلى أكبر رجل استخبارات في القرن العشرين كما يقول التقرير, حيث أن "تيدي" لم يكن يتحدث أبدا عن عملياته الاستخباراتية السرية, و لم يذكرها إطلاقا في الكتب الكثيرة التي كتبها.

حسين عبد الرازق : دفعنا ثمن إنتفاضة يناير غاليا

ء* نشر بموقع عشرينات

أحمد بلال

الإرتباط بين إنتفاضة يناير 77 و قوى اليسار المصري هو أحد المسلمات في تاريخ الحركة الوطنية المصرية, فالمد اليساري الماركسي - الناصري الذي اشتد مع بداية عصر السادات, و تمثل في الإضرابات العمالية و الطلابية, هو الذي حرث الأرض لتلك الإنتفاضة, التي تلونت شعاراتها كلها بلون اليسار المصري, و قادها في طول البلاد و عرضها كوادر اليسار المصري, و كان كل المتهمين فيها من أبناء اليسار المصري, و على الجانب الآخر ذلك الهجوم العنيف الذي شنه السادات على التنظيمات اليسارية كحزب التجمع و التنظيمات الشيوعية السرية بالإضافة إلى الناصريين الذين أسماهم السادات "مدعي الناصرية, على إعتبار أن النظام كان يعتبر نفسه إمتدادا لتجربة الزعيم جمال عبد الناصر.
حزب التجمع, و بالرغم من أنه لم يكن قد مر أكثر من شهرين على تأسيسه, إلا كان أكثر القوى التي لاقت هجوما من السادات, للدور الذي قامت به كوادره في الإنتفاضة بالإضافة إلى أنه كان الحزب العلني الوحيد لليسار المصري في ذلك الوقت, فكان الرئيس المقتول أنور السادات بالإضافة إلى بقية رؤوس النظام يتهمون حزب التجمع بشكل صريح في خطبهم و بياناتهم بالتخطيط لتلك الإنتفاضة, و إتهموا قياداته و أعضائه بأنهم مجموعة من العملاء, الخونة, الملحدين, على حد تعبيرهم, و لذلك كان الحوار التالي مع الأستاذ حسين عبد الرازق الأمين العام لحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي.

هل كان إرتفاع أسعار السلع الرئيسية هي السبب الوحيد لاندلاع إنتفاضة الخبز في 77 ؟

في الجلسة المسائية لمجلس الشعب في 17 يناير 77 أدلى نائب رئيس الوزراء للشئون المالية و الإقتصادية, وزير المالية و وزير التخطيط ببيانات و عرضوا موازنة الدولة لعام 1977 (السنة المالية وقتها كانت تبدأ في يناير و تنتهي في ديسمبر), و تضمنت الموازنة رفع أسعار بعض السلع الأساسية و تخفيض الدعم على بعض السلع و منها المواد الغذائية و الملابس.
كان الأمر مفاجأة كبيرة لكل الشعب المصري حيث أن الحكومة بدءا من الرئيس السادات إلى ممدوح سالم و عدد من الوزراء كانوا يصرحون من منتصف ديسمبر 76 و حتى منتصف يناير 77 بوعود بعدم إرتفاع الأسعار و تثبيتها, ثم فوجئ الناس بإرتفاع الأسعار في 18 يناير صباحا, فكان ذلك السبب المباشر للإنتفاضة, حيث إندلعت المظاهرات التلقائية في وقت واحد و بدون أي ترتيبات في كل أنحاء مصر, و إنطلقت شرارتها من المصانع و الجامعات, و لم يكن هناك أي أعمال تخريبية حتى نزول قوات الأمن المركزي لمحاولة فض المظاهرة بالقوة, فتفرقت الجماهير و ابتدأ التخريب في أقسام الشرطة و مقار الإتحاد الإشتراكي (كانت المقرات لا تزال موجودة).
و إنتهت الإنتفاضة بنزول الجيش إلى الشوارع و فرض حظر التجول لأول مرة بعد ثورة يوليو, و أمسك الجيش زمام الأمور بشكل فعلي, لدرجة أنه عندما ألقوا القبض علي في الساعة 12 من مساء يوم 19 يناير, كانت قوات الجيش توقف سيارة الشرطة بعد كل فترة و يظهر ضابط الشرطة لهم بطاقته و تصريح الحركة الخاص به !!
كان إرتفاع الأسعار هو السبب المباشر و بالإضافة إلى ذلك كانت هناك أسباب سابقة تبللورت إبتداء من عام 1970 و حتى عام 1977, فكانت هناك أزمة ديمقراطية, و أزمة إقتصادية خاصة بعد سياسة الإنفتاح الإقتصادي, لم يشهدها الشعب المصري حتى أثناء الحرب, فبعد نكسة 67 وجه النظام المصري بقيادة عبد الناصر كل الطاقات للحرب و مع ذلك لم تحدث أزمة إقتصادية مثل تلك التي حدثت بعد الإنفتاح, بالإضافة إلى ذلك كانت الأزمة الوطنية و غضب الجماهير من عدم ترجمة النظام المصري للإنتصار العسكري في حرب أكتوبر إلى إنتصار سياسي.

إذا كانت إنتفاضة الخبز قد بدأت عفوية, فكيف إقترنت باليسار المصري ؟

عمليا جزء مما حدث في يناير 1977, كان بسبب الوعي الذي خلق في الشارع المصري بعد هزيمة 67, و بعد موت عبد الناصر, و بدأت في هذه الفترة المظاهرات و الإضرابات العمالية و الطلابية, و التي كان لليسار الدور الرئيسي فيها.
أضف إلى ذلك إنتخابات 1976 و التي كانت بمثابة "سوق عكاظ", حيث أن معظم الأحزاب الماركسية السرية رفض دخول حزب التجمع بعد إعلانه مباشرة, و من ثم قدمت كل الأحزاب اليسارية السرية مثل المطرقة, التيار, الحزب الشيوعي المصري, العمال بالإضافة إلى التجمع مرشحين لمجلس الشعب, فكانت كل البرامج الإنتخابية و خطابات المرشحين يسارية, هذا بالإضافة إلى أن كل الذين قادوا تلك المظاهرات كانوا من اليسار المصري.

و كيف تعامل النظام المصري مع اليسار في ذلك الوقت ؟

كنت وقتها أمينا للعمل الجماهيري و أمين الحزب في القاهرة, و في صباح 19 يناير بدأت تتوالى الأخبار عن حملة الإعتقالات, و كان أول خبر هو إعتقال فيليب جلاب صباح يوم 19, و بدأ التليفزيون حملته ضد اليساريين مؤكدا أن "الشيوعيين و مدعي الناصرية" هم الذين يقودون تلك المظاهرات, و بالليل طلع بيان ممدوح سالم في مجلس الشعب يتهم فيه "التجمع و الشيوعيين و مدعي الناصرية" إتهاما صريحا بتنظيم تلك المظاهرات, و ليلة 19 يناير بدأ القبض بالتليفون, بمعنى أن أمن الدولة كانت تتصل بالنيابة تليفونيا و تبلغهم بأسماء الأشخاص الذين سيتم إعتقالهم, و توافق النيابة تليفونيا, و بعد ذلك يتم عمل البلاغ الذي كان من المفترض تقديمه إلى النيابة أولا, و تقدم النيابة موافقتها عليه.

ما هي قصة البرقية الشهيرة التي أرسلها التجمع لقياداته في المحافظات و التي كانت ركنا أساسيا في الإتهامات الموجهة لقيادات التجمع بالتدبير للإنتفاضة ؟

في صباح 19 يناير كتبت بصفتي أمين العمل الجماهيري برقية لقيادات الحزب في كل المحافظات, أقول لهم تابعوا الموقف و أبلغونا أولا بأول و إبقوا مع الجماهير, و امنعوا وقوع أي أعمال تخريبية, عرضت البرقية على أ. خالد محي الدين و د. رفعت السعيد و وافقوا عليها, و وقع د. رفعت السعيد عليها حتى يتم إرسالها, لأن مقرنا كان في ذلك الوقت في مقر الإتحاد الإشتراكي, و كان هناك شخصا مسئولا عن "المبرقة" لا يرسل إلا بتوقيع شخص محدد من كل حزب من الأحزاب الثلاثة في ذلك الوقت.
بعد إرسال البرقية وصلت نسخة منها لمصطفى خليل فأرسل برقية أخرى تلغي برقية حزب التجمع على أساس أن البرقية الثانية صادرة من حزب التجمع أيضا, الطريف أن برقية حزب التجمع لم تصل إلا لمحافظتين فقط, و وصلت برقية مصطفى خليل إلى كل المحافظات, بعدها تم القبض على د. رفعت السعيد على اعتبار أنه أمين العمل الجماهيري لأنه هو الذي وقع على البرقية, إلا أن السعيد دافع عن البرقية, و لم يذكر أن أمين العمل الجماهيري هو حسين عبد الرازق و ليس هو.

و كيف تعامل النظام مع حزب التجمع تحديدا ؟

عندما أنشئت المنابر كان رهانهم على أن التجمع سيكون الجناح اليساري للإتحاد الإشتراكي, إلا أن بداية التجمع كانت ساخنة, و كانت الأزمة مبكرة, فبعد إعلان الحزب بأسبوع, تحدث سيد مرعي مع الأستاذ خالد محي الدين بخصوص الأزمة بين السادات و الإتحاد السوفيتي طالبا منه بيان من الحزب ضد الموقف السوفيتي, فأبلغه خالد بأنه لابد أن يعقد إجتماعا للهيئات القيادية للحزب لأن ذلك موقف سياسي, إلا أن مرعي رفض على إعتبار أن البيان "لازم النهارده", و قوبل ذلك برفض من الأستاذ خالد, و بدأت الحملة المنظمة ضد التجمع في الصحف و بالذات في أخبار اليوم, على إعتبار أنه حزب الشيوعيين العملاء الخونة!!.
الأزمة الثانية .. كانت الحرب الأهلية في لبنان, حيث أصدرنا بيان تأييد للجبهة الفلسطينية و القوى الوطنية اللبنانية, و دعينا المصريون للتطوع, و الذهاب لتقييد أسمائهم في مقرات التجمع, و قلنا أمه سيتم تدريبهم و بحث سبل إرسالهم, و بالفعل تقدم إلينا الآلاف من المتطوعين, فأصدر مصطفى خليل و كان أمينا للإتحاد الإشتراكي وقتها (فترة المنابر) بيانا رسميا يتهم فيه التجمع بتشكيل ميلشيات عسكرية.
بعد ذلك كان إضراب النقل العام, الذي حدث في اليوم الثاني للإستفتاء على تجديد رئاسة السادات, كان في وقتها إجتماع لأمانة الحزب في القاهرة, وجدنا عدد كبير من قيادات الإضراب و قد توجهوا إلينا في الحزب مع زملائنا أعضاء التجمع عمال النقل, و شرحوا لنا أسباب الإضراب و طالبوا بمساندتنا, و بالفعل قمنا بعمل بيان و تم توزيعه في نفس اليوم, فخرج السادات بخطبة ضدنا مباشرة و بالاسم على حزب التجمع متهما أعضائه بأنهم خونة و عملاء و ملحدين!!.
و بعد ذلك كانت أحداث إنتفاضة يناير, و الذي دفع التجمع على أثرها الثمن غاليا, فتم القبض على عدد كبير من قيادات التجمع و اتهامهم في قضايا الشغب و التنظيمات الشيوعية و التحريض على قلب نظام الحكم, بالإضافة إلى القبض على قيادات التجمع في المحافظات و محاكمتهم في قضايا شغب, كما تم إقتحام المقر أكثر منمرة من جانب قوات الأمن, و كانت الإستقالات بالآلاف و كان يتم نشرها كلها في صحيفة الأخبار, حيث تعرض زملائنا لحملات قمع و تهديد شديدة لإجبارهم على تقديم إستقالتهم, و كان معظم الإستقالات في المناطق العمالية حيث قاموا بحملة ضد عمال التجمع فكان على سبيل المثال لو أن عامل الإنتاج يحصل مثلا على مرتب 200 جنيه, و يعمل الساعات الإضافية فيكون إجمالي مرتبه 400 أو 500 جنيه, ما حدث مع هؤلاء العمال هو منعهم من العمل تلك الساعات الإضافية حتى يحصلون على المرتب الأساسي فقط, و قد أبلغ الأستاذ خالد محي الدين كل قيادات و أعضاء الحزب بأن كل من لن يستطيع تحمل التعسف و القمع الذي يمارس ضده فليقدم بإستقالته حفاظا عليه.

Sunday, April 15, 2007

إضرابات العمال بين أمين العالم و دار الخدمات

ء* نشر بموقع عشرينات
أحمد بلال

تنظيم شيوعي كبير يمتد من الإسكندرية إلى أسوان، و يقف وراء الإضرابات العمالية التي تجتاح مصر حاليا، هكذا أكد الأستاذ محمود أمين العالم لجريدة المصري اليوم في تصريحاته الشهيرة التي نشرتها الجريدة مؤخرا، لم يكن التصريح مجرد كلمات، و إنما كان بمثابة قنبلة من العيار الثقيل ألقاها العالم على الساحة السياسية المصرية كلها.
انقسمت ردود الأفعال بين مؤيد و معارض و منكر للتصريحات جملة و تفصيلا، إلا أن الجميع اتفقوا على التعجب من موقف النظام الذي لم يعقب و لو بجملة واحدة على تلك التصريحات، و لكن على الجانب الآخر كان النظام يصدر قراراته بإغلاق فرعي دار الخدمات النقابية و العمالية بنجع حمادي و المحلة الكبرى وسط اتهامات للدار بأنها كانت وراء الإضرابات العمالية الأخيرة، الأمر الذي أنكره نشطاء الدار.
إغلاق فرعي الدار بنجع حمادي و المحلة الكبرى أتى بعد حملة شرسة شنها الاتحاد العام لنقابات عمال مصر ضد الدار على مدار الثلاثة أشهر الماضية، متهما إيها بأنها كانت وراء الإضرابات العمالية التي اجتاحت مصر في نهاية العام المنصرم و المستمرة حتى الآن، بعدها أصدر اللواء الشربيني حشيش رئيس مجلس مدينة نجع حمادي القرار الإداري رقم 44 لسنة 2007 بإغلاق فرع دار الخدمات النقابية و العمالية بالمدينة يوم الخميس 29 مارس الماضي، و الذي تم افتتاحه في أول مايو 2005.
و قد جاء قرار الإغلاق بعد أسبوع واحد من استدعاء مدير مكتب علاقات العمل التابع لوزارة القوى العاملة والهجرة، ومدير منطقة التضامن الاجتماعى التابع لوزارة التضامن الاجتماعى، لنشطاء الدار في نجع حمادي "للوقوف على أوضاع و طبيعة أنشطة الدار"، و بعد صدور القرار تم استدعائهم من قبل مأمور قسم الشرطة التابعين له الذي أبلغهم بصدور قرار الإغلاق و بأنه مسؤول كجهاز أمني عن تنفيذه.
و بعد أيام معدودة من إغلاق الدار في نجع حمادي بدأت التهديدات تتوجه هذه المرة لفرع الدار في المحلة الكبرى التي انطلقت منها الشرارة الأولى للإضرابات العمالية الأخيرة، الأمر الذي أدى بنشطاء الدار إلى الدعوة لعقد مؤتمر تضامني مع فرع الدار بالمحلة يوم الخميس الماضي 12 إبريل، إلا أن الأمن رفض حتى التضامن و سارع بإستصدار قرار من محافظ الغربية بإغلاق الدار يوم الأربعاء السابق للندوة بيوم واحد!!.
حيث فوجىء نشطاء دار الخدمات بالمحلة في حوالي السابعة من مساء الأربعاء بقيام قوة شرطة مكونة من 10 سيارات أمن مركزى و فريق من مباحث قسم أول المحلة الكبرى بقيادة العميد حسام خليفة مأمور قسم اول المحلة، بالاضافة الى عناصر من مباحث أمن الدولة، بحصار و اقتحام الدار، بحجة تنفيذ قرار المحافظ بإغلاقها.
مواجهة التهديد بالإغلاق كان الهدف من المؤتمر التضامني الذي كان مقررا عقده في دار الخدمات بالمحلة، و مواجهة الإغلاق الفعلي كان هدف المؤتمر الذي عقدته دار الخدمات في مقر حزب التجمع بالمحلة بعد إغلاق فرعها و استضافة التجمع للمؤتمر الذي عقد في السادسة من مساء يوم الجمعة الماضي، و حضره ممثلين عن بعض القوى السياسية، منظمات المجتمع المدني و العمال.
المؤتمر الذي عقد وسط حصار أمني شديد لمقر التجمع، أكد فيه محمد الكحلاوي أمين التجمع بالغربية أن "التجمع مفتوح للجميع لأنه بيت اليسار المصري" و أضاف أن إغلاق دار الخدمات ما هو إلا بداية لحملة بوليسية سيشنها النظام لإغلاق كافة منظمات المجتمع المدني النشطة، و بعد كلمته سلم الكحلاوي إدارة المؤتمر لدار الخدمات النقابية.
تحدث الأستاذ جمال أبو العلا مدير فرع الدار بالمحلة و الذي وجه شكر الدار في بداية كلمته للتجمع "اللي فعلا بابه مفتوح للكل، و اللي بيحتضن الجميع في أصعب الظروف"، على حد وصف أبو العلا الذي أكد أن الحكومة تدير صراعات مع كافة الشرائح و الطبقات الاجتماعية الفقيرة، و أن حملتها ضد دار الخدمات جزء من هذا الصراع، و في نهاية كلمته أكد أبو العلا أن دار الخدمات نجحت في كسب 150 قضية لعمال القطاع الخاص، الأمر الذي كان يتوجب على الحكومة شكرها بخصوصه و ليس إغلاقها!!.
و عن اللجنة التنسيقية للحقوق و الحريات النقابية و العمالية تحدث الأستاذ صابر بركات عن الدور الذي قامت به دار الخدمات و الذي كان بمثابة "رأس الحربة" في التأثير على العمال في فترات كثيرة، و أكد بركات أن الرد هو أن يتحول كل فرد إلى جزء من الدار و حامل لرسالتها، و أضاف "إذا كانت الدار متهمة بالتحريض فيجب أن نكون جميعا محرضين للعمال و لكل مواطن لانتزاع حرياتنا و حقوقنا".
كلمة المنظمات غير الحكومية ألقتها الدكتورة عايدة سيف الدولة، و التي قالت "باسم كل منظمات المجتمع المدني التي وقعت على بيان التضامن مع الدار، نتعهد بأننا سندخل معركة حرية المجتمع المدني، و عهد علينا بأننا سنبدأ حملة لن تنتهي إلا بإعادة فتح كافة فروع الدار".
و عن اللجنة المشتركة للتحالف الاشتراكي و اتحاد اليسار تحدث زياد العليمي حول الاتهامات الموجهة للدار بتحريض العمال على الإضراب، مؤكدا على مشروعية الإضراب و أن العمال هم من ينظمون تلك الإضرابات بأنفسهم لتحقيق مطالبهم، أما وجدي فيكتور من حزب الغد فأكد أن النظام المصري هو الذي يستحق المحاكمة و ليس دار الخدمات، و ذلك بسبب تزويره نتائج الانتخابات و الاستفتاء، حمدي حسين مدير مركز آفاق اشتراكية بالمحلة قال أن السلطة لا تريد المجتمع المدني الذي يعمل على نشر أفكار العدل الاجتماعي، و أن إغلاقها للدار هو بمثابة إغلاق لعقول الطبقة العاملة، "التي إن وعت نهضت، و إن نهضت ستغير هذه السلطة الحاكمة"، على حد قوله.
و في كلمته أكد كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية و العمالية، أن الإضرابات العمالية بدأت في مصر مع بداية الطبقة العاملة المصرية، و أنها لم تبدأ مع الدار و لن تنتهي بإغلاقها، و أضاف عباس أن هناك قضيتين رئيسيتين حاليا للنضال من أجلهما، الأولى "تنظيم عمالي حقيقي" مؤكدا أن الطبقة العاملة ناضلت طوال عمرها من أجل حقها في هذا التنظيم و أن الكثيرين من العمال دفعوا الثمن غاليا، و أن التنظيم العمالي الحالي قد يكون أي شيء إلا أن يكون تنظيما نقابيا!.
القضية الثانية التي طرحها كمال عباس هي حق الإضراب، و قال أن "القانون الحالي يحاكم كل عامل يشارك في إضراب، و هو أمر لا يعقل و لم يستطيعوا تطبيقه على الإضرابات العمالية الأخيرة و إلا كانوا سيحاكمون كل عمال مصر، و لهذا فقد قرروا محاكمة دار الخدمات"، و أنهى عباس كلمته قائلا "قبل الدفاع عن الدار يجب الدفاع عن حق العمال في الإضراب، و حقهم في إقامة تنظيمهم النقابي الحقيقي".
هذا و قد أصدر اتحاد الشباب التقدمي بحزب التجمع بالغربية بيانا للتضامن مع دار الخدمات النقابية، بعنوان "عندما يكون الظلم قانونا تصبح المقاومة واجبا مقدسا"، أكد فيه أن "السماح أو الصمت على ذلك الإقصاء و الاستبداد بحق صوتا مدافعا عن العمال سيغري تلك العقلية و غيرها من العقليات الاستبدادية بالنظام الحاكم بالمزيد من القمع و الاستبداد تجاه أي صوت أو رأي يقاوم انتهاكهم للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية لشعب مصر الكادح"، كما جاء في البيان.
و بين تصريحات العالم و الحملة الشرسة التي يشنها النظام ضد دار الخدمات تدور العديد من التساؤلات، هل هناك علاقة بين تلك التصريحات و الدار ؟!، و هل هناك تنظيما شيوعيا بالفعل قادرا على قيادة تلك الموجة من الإضرابات العمالية ؟!، و إن كان الشيوعيون هم الذين يقودون الإضرابات العمالية، فمن الذي يقود الحركات الاحتجاجية بين بقية الشرائح الاجتماعية كالقضاة و أساتذة الجامعات و المهندسين ؟!، و السؤال الأهم إذا كان الشيوعيون يمتلكون بالفعل كل هذه القوة فلماذا لا نلحظ لهم تواجدا علنيا في الشارع المصري ؟!!!.

جنين .. يا قلعة الأسود

ء* نشر في موقع عشرينات
أحمد بلال

أحيى أهالي جنين أمس الذكرى الخامسة لاجتياح مخيمهم في 3 إبريل 2002، في إطار عملية "السور الواقي" التي قامت بها قوات الإرهاب الصهيونية، الاحتفالية بدأت بمسيرة كبيرة اتجهت إلى موقع الملحمة، حيث أقيم مؤتمر جماهيري كبير تحدث فيه العديد من رمز حركات المقاومة الفلسطينية.
و كان شارون قد أمر جيشه في عام 2002 بتنفيذ عملية عسكرية أطلق عليها "السور الواقي" بدعوى القبض على "مطلوبين" ينطلقون من المدن الفلسطينية و خاصة مخيم جنين لتنفيذ عمليات استشهادية داخل ما يعرف باسم "دولة إسرائيل"، و في خلال أربعة أيام نجحت قوات الاحتلال الصهيوني في اجتياح رام الله، بيت لحم، نابلس و طولكرم، حتى كان الثالث من إبريل 2002، عندما حاولت نفس القوات اجتياح مخيم جنين، إلا أن صمود المقاومة كان كفيلا بإيقاف الاجتياح.
أمر شارون جيشه بحصار المخيم، و قطع كافة المساعدات عنه، و بدأ العدو الصهيوني في استخدام وسائله الجبانة، حيث فرض الصهاينة حظرا إعلاميا كاملا عن العمليات في المخيم،و بدأت قواتهم في القصف الجوي المكثف على المخيم و اقتحامه بأكثر من 200 دبابة و مزنجرة بالإضافة إلى المدفعية الصهيونية، مما أدى إلى هدم العديد من البيوت الفلسطينية و استشهاد و إصابة الكثيرين، الذين استشهد بعضهم على أثر نزف جروحه بعد أن منع الصهاينة سيارات الإسعاف من دخول المخيم.
لم يستسلم أهالي المخيم رغم كل الوحشية التي تقابلهم بها آلة الحرب الصهيونية، و الصمت المخزي الذي يقابل به العرب المجزرة الصهيونية، و هو الأمر الذي جن جنون قيادات جيش الحرب الصهيوني الذين أمروا باقتحام المخيم، بعدما مهدت لهم الغارات الجوية الطريق، و بدأ الصهاينة في نسف المنازل و تنفيذ أحكام إعدام ميدانية في حق أبطال المقاومة، و خاصة بعد أن نفذت ذخيرتهم.
المقاومة في جنين كانت على يقين بأن الصهاينة يخططون لاجتياح المخيم، فأعدت عدتها، و فخخت كل شبر فيه، الطرقات، السيارات و المباني، و نصبوا لهم العديد من الأكمنة التي وقع الصهاينة فيها بالفعل، فبعد أيام من اجتياح المخيم، رمت المقاومة للصهاينة طعما، عبارة عن بناية سكنية مكونة من ثلاثة طوابق، الأمر الذي خدعهم فاتجه جنود القناصة الصهاينة لاحتلال المبنى، لاغتيال كل فلسطيني تقع أعينهم عليه، إلا أن المقاومة كانت قد فخخت المبنى بالكامل.
و بعد نجاح الصهاينة في احتلال المبنى، تم تفجيره بالكامل من قبل المقاومة، ليعلن الجيش الصهيوني عن مقتل 13 من جنوده و إصابة 12 آخرين، و يفشل في نقل حتى جثث جنوده، الأمر الذي دفع القيادة الصهيونية لطلب تدخل الصليب الأحمر الدولي لوقف إطلاق النار لنقل الجثث!!.
كان حصيلة المجزرة 63 شهيدا عربيا بالإضافة إلى عشرات الجرحى، و هدم أكثر من 500 منزل فلسطيني، و اعتقال جميع الرجال في المخيم من سن 15 : 50 عاما، و من الجانب الصهيوني و بحسب الاعترافات الصهيونية نفسها قتل 32 جنديا بالإضافة إلى عشرات الجرحى.
جنين .. عاصمة الاستشهاديين و عرين المقاومة كما أسماها الفلسطينيون، أو عش الدبابير كما أسماها شارون، ستبقى دوما في مخيلتنا رمزا للصمود و المقاومة و الكرامة العربية، و دليلا على أن السلاح وحده هو القادر على ردع الاحتلال، و ستبقى جنين دليل إدانة للكيان الصهيوني و كل الحكام العرب الذين التزموا الصمت أو اكتفوا بالشجب و الإدانة.

ثقافة الهزيمة .. و ثقافة المقاومة

ء * نشر بموقع عشرينات
كتب : أحمد بلال

تتار القرن الواحد و العشرين يدنسون تراب العراق .. نازيون القرن الواحد و العشرين يحرقون زهرة العرب في لبنان .. دمائنا العربية لم تجف منذ أكثر من نصف قرن على أرض فلسطين .. و بين كل هذه المذابح التي تمارس ضد شعبنا العربي، يخرج مثقفي السلطة في مصر رافعين شعار "ثقافة السلام"، شعارا لمهرجان القراءة للجميع هذا العام، و كأننا شعبا من الهمج، ألفنا القتل و الدمار و معاداة كل خلق الله، و كان واجب عليهم أن يعلمونا "ثقافة السلام"، و الحقيقة أنهم معذورون، فمثل هؤلاء لا يقرؤون إلا ما يكتب "الحاكم بأمره"، و لا يسمعون إلا ما يقول "الحاكم بأمره"، و لا يرون إلا إنجازات "الحاكم بأمره" ( إن كان هناك إنجازات أساسا )، و لا يكتبون إلا بفرمان من "الحاكم بأمره".
ثقافة الهزيمة و التي يطلقون عليها كذبا "ثقافة السلام"، هي نفسها الثقافة التي بدأها النظام الحاكم في مصر أثناء التمهيد لتوقيع اتفاقية الاستسلام مع العدو الصهيوني، ثم تلته بعد ذلك بقية الأنظمة العربية، و اليوم و بعد مرور قرابة الثلاثون عاما من محاولات نشر هذه الثقافة بين شعبنا العربي، لم يكن غريبا أن تشن حرب إبادة على شعبنا في العراق دون أي رد فعل أو لنقل في مقابل رد فعل متواضع، و لم يكن غريبا أن تمارس آلة الحرب الصهيونية عدوانها الهمجي على لبنان دون رد فعل عربي يتناسب مع الحدث، و ليس من الغريب أن يتبرأ الشباب العربي من عروبته، و ليس غريبا أيضا أن نجد من بيننا من يسب الوطن و الشعب إلخ .. إلخ .. إلخ.
و من هنا كان لابد لنا من العودة لثقافة المقاومة مرة أخرى، أما ثقافة المقاومة فهي ثقافة الإنسان والأرض والكرامة في مقابل ثقافة أنظمة عربية مهزومة تهدف إلى كسر الروح المعنوية لشعوبها وتحطيم إرادتها وإحباط عزيمتها.. هذه الأنظمة التي تمتلك الأسلحة فقط للاستعراضات العسكرية و حماية عروشها من شعوبها.
"أرض بلا شعب .. لشعب بلا أرض" .. كانت تلك هي الدعاية التي استخدمها الصهاينة للحصول على التأييد الدولي لاستعمار أرضنا العربية في فلسطين، قالوا للعالم أجمع أنه لا يوجد شعب اسمه الشعب الفلسطيني، و كالعادة صمت الجميع برغم علمهم بالحقيقة، و لكن الشعب الفلسطيني كذب تلك الدعاية، فالدماء الفلسطينية التي سالت على أرض فلسطين أكدت أن هناك شعب اسمه الشعب الفلسطيني، و أن هناك أرضا تغتصب اسمها فلسطين العربية، ثقافة المقاومة التي انتشرت و مازالت منتشرة بين شعبنا الفلسطيني، وحدها هي التي تثبت عدالة القضية، و وحدها هي التي ستحرر الأرض.
الفعل المقاوم في لبنان لم يكشف الأنظمة المتخاذلة و حسب، بل أكد على أن ثقافة المقاومة هي الطريق الوحيد لتحرير الأرض، كما أكد نجاح المقاومة، على أن قوة المقاومة العسكرية وحدها غير كافية لتحقيق النصر، و إنما يلزمها انتشار ثقافة المقاومة بين الشعب، حتى يحتضن الشعب المقاومة المسلحة، فاحتضان الشعب للمقاومة و إيمانه بها، يسد الطريق على محاولات العدو سواء العدو الخارجي أو أعداء الوطن الذين يتجنسون بجنسيته، الرامية إلى تفتيت الجبهة الداخلية، هذا بالإضافة إلى أن هذا الدعم و التأييد الشعبي للمقاومة و إن كان حتى بالكلمة، فهو يعمل على رفع الروح المعنوية للمقاومة المسلحة على خط النار مع العدو.
و "ثقافة المقاومة" ليست فقط ثقافة إعداد المتفجرات أو تفخيخ السيارات أو حتى الخبرة المكتسبة في تنفيذ العمليات الاستشهادية، و إنما هي مشروع حياة ضد كل أعداء الحياة، و لذا فالمقاومة قد تكون داخلية متمثلة في التصدي للظلم والقهر و القمع الذي يعاني منه شعبنا العربي، المقاومة هي التصدي لكل مفاهيم و مصطلحات الاستسلام و الانهزامية التي يعمل الإعلام الرسمي العربي على غسيل مخ شعبنا بها ليل نهار، ثقافة المقاومة هي البديل الوحيد لشعوبنا في مواجهة ثقافة الهزيمة التي يتمتع بها حكامنا.
و لذلك فإن "ثقافة المقاومة" .. ليست فقط الطريق الوحيد لتحرير الأرض، و إنما الطريق الوحيد لبقائنا على هذه الأرض كبشر لهم حقوقهم التي خلقوا بها، مفهومها شامل بل و يفقد معناه إذا نظرنا إليه من زاوية واحدة، و نتجاوز ذلك فنزعم أن بعض الأنظمة العربية تسعى بالفعل أن تصور لنا المقاومة أو تختزلها في صورة واحدة فقط و هي الكفاح المسلح الذي يجب أن يكون على أرض فلسطين، و من ثم ننسى كل همومنا و مشاكلنا الداخلية أمام همنا القومي، و هو ما يضمن لهم البقاء على عروشهم مدى الحياة، و نغرق نحن في همومنا مدى الحياة أيضا.
و استمرارا في فرض ثقافة الاستسلام علينا و على غيرنا، تعمل الولايات المتحدة ليل نهار على عزل كل الدول و الأنظمة و المنظمات التي تعلن عدائها للولايات المتحدة و الكيان الصهيوني، أو حتى ترفض ما تمليه عليها الولايات المتحدة، و التهمة جاهزة دائما .. الإرهاب، و إن كانوا هم إرهابيون فمن يناصروهم إرهابيون أيضا، و لذلك تعمل الولايات المتحدة على عزل حركات المقاومة عن شعوبها حتى يسهل ضربها و إبادتها، فشعوب بلا ثقافة مقاومة هي شعوب خانعة ترضى بالواقع مؤمنة أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، مهما كان ما كان.
و في مقابل ذلك كان النموذج الفنزويلي في الرد على المحاولات الأمريكية لنشر ثقافة الاستسلام، و كانت تليسور .. القناة التليفزيونية اللاتينية التي تهدف إلى "محاربة الإمبريالية الثقافية التي تمثلها وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية"، و التي يقول عنها الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز أنها "تعبير عن يقظة شعوب المنطقة"، و أنها تهدف إلى "تقديم رؤية وصوت مازالا مغيبين".
قناة تليسور التي اشتركت عدة دول تؤمن جميعها بثقافة المقاومة في رأسمالها، حيث دفعت فنزويلا 51% من رأسمالها، الأرجنتين 20%، كوبا 19%، وأوروجواي 10%، هي إحدى الوسائل المستخدمة ليس فقط في التصدي للإعلام الرأسمالي الذي يروج لثقافة الهزيمة و الاستسلام لمتطلبات العصر الصهيوني الأمريكي، و إنما لنشر ثقافة المقاومة و ليس فقط في بين شعوب أمريكا اللاتينية، بل في الولايات المتحدة نفسها، حيث يصل إرسالها للشعب الأمريكي.
و في وطننا العربي، تأتي "الشرق أوسطية" مشروع شيمون بيريز لتركيع المنطقة، و الذي أتى إلينا في ثوب جديد سمي بمبادرة كولن باول "لنشر الديمقراطية" في "الشرق الأوسط"، ثم الشرق الأوسط الكبير، و أخيرا الشرق الأوسط الجديد الذي بشرتنا به القبيحة كوندليزا رايس، و كلها محاولات لدق المسمار الأخير في نعش "ثقافة المقاومة" في الوطن العربي، أرادوا من خلالها أن "يعلمونا الديمقراطية" لنقبل الآخر الذي هو "إسرائيل"، محوا إسم فلسطين من على الخريطة و كتبوا مكانها "إسرائيل"، لينشأ الجيل الجديد على ثقافة الهزيمة و التطبيع، و قريبا سيطبعون لنا كتبا و قواميس و معاجم لا تعرف لكلمة المقاومة أو الكفاح أو النضال طريقا، و يبدوا أن نسخة من هذه المعاجم قد وصلت بالفعل إلى الهيئة العامة لقصور الثقافة التي تسعى "مشكورة" لتعليمنا "ثقافة السلام" في الوقت الذي لا تجد فيه جثث شهدائنا من ينتشلها من بين الأنقاض.
"ثقافة المقاومة" هي مشروع حضاري لن تقوم لنا قائمة إلا به، و عبثا ما يحاول أن يوهمنا به البعض من أن المقاومة هناك يقوم بها المقاومون على الجبهة أو الإرهابيون كما يطلق البعض عليهم ، فهؤلاء المقاومون على الجبهة لن ينتصرون إلا بانتصارنا نحن في عواصمنا العربية، و لن يدحرون العدوان إلا عندما ندحر نحن حكامنا.

بعد 50 عاما على التأميم .. عبد الناصر يظهر في بوليفيا

ء* نشر بموقع عشرينات

كتب : أحمد بلال

في القاهرة .. لم يعد يرتفع صوت .. "قرار من رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية"، في القاهرة .. لم يعد يرتفع صوت "لن نمكن منا تجار الحروب .. لن نمكن منا المستعمرين .. لن نمكن منا تجار البشر .. سنعتمد على سواعدنا و على دمائنا و على أجسامنا"، في القاهرة الآن ترتفع أصوات عديدة .. تطالب بالقضاء على ما تبقى من القطاع العام و هو أموال ملكا للشعب المصري و لم يرثها أحدهم عن أبيه، في القاهرة ترتفع الآن أصوات .. تؤكد و تقسم بكل ما هو مقدس (إن كان لديهم ما يقدسونه)، على أن الولايات المتحدة تحمل لنا كل خير و أتت إلى منطقتنا لتعلمنا الديمقراطية!!، حتى و إن كانت هذه الديمقراطية أتت معبأة داخل الدانات و الصواريخ، و القنابل الذكية التي لا تصيب إلا المدنيين.
لم يكن السد العالي مجرد مشروعا تحلم إحدى الدول المتحررة حديثا من نير الاستعمار تنفيذه، تحقيقا لأحلام و طموحات و مصالح الملايين من أبناء الشعب المصري، و إنما كان السد رمزا لمصر الثورة .. مصر عبد الناصر، كانت التقديرات تشير إلى أن التكلفة ستبلغ 200 مليون جنيه، مما أوجد حاجة ماسة لوجود ممول لبناء السد العالي، جرت المفاوضات و قبل الأمريكيين و البنك الدولي و حتى البريطانيين بتمويل السد، و لكنهم سرعان ما فرضوا الشروط التعجيزية على مصر، و التي انتهت بسحب الولايات المتحدة الأمريكية تمويلها لبناء السد العالي.
قناة السويس .. حفرها المصريون في السخرة .. و جرت فيها دمائهم قبل أن تجري فيها مياهها، و لكن كل ذلك لم يكن له ثمنا عند الرأسمالية العالمية، فنهبوا أموالنا بعد أن استباحوا دمائنا، و استولت بريطانيا و فرنسا على "الشركة العالمية لقناة السويس البحرية"، و التي وصلت إيراداتها في هذه الفترة إلى 35 مليون جنيه مصري، لم يفعل عبد الناصر شيئا سوى أنه قرر أن يعود الحق لأصحابه، و أن القناة بملايينها هي ملكا خالصا للمصريين، و أن هذه الدول التي تنهب أموالنا و تسرقنا في وضح النهار ثم تأتي لترفض مساعدتنا في بناء أحد أحلامنا عليها أن تنسحب من بلادنا اقتصاديا بعد أن انسحبت منها عسكريا، و أن تدخل الملايين التي تحصلها القناة إلى خزانة الدولة لبناء السد العالي.
26 يوليو 1956، يوما لن ننساه ما بقينا، و لن ينسوه ما بقوا، وقف الرئيس جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية، محاطا بالآلاف من أبناء الشعب المصري، سرد عبد الناصر في خطبته تاريخ قناة السويس، و فجأة أعلن الرئيس قراره "باسم الأمة .. رئيس الجمهورية .. تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية .. و ينتقل إلى الدولة جميع ما لها من أموال و حقوق و ما عليها من التزامات"، و لم يكن عبد الناصر قد انتهى من خطابه بعد، حتى كانت الشركة قد أممت بالفعل و سيطر عليها الجيش المصري، فقد كان كل شيء جاهزا .. كان الجنود المصريون ينتظرون، ومعهم أوامر مختومة باحتلال مكاتب شركة قناة السويس ومنشآتها، و كانت كلمة السر للبدء في العملية هي "ديليسبس".
لم يكن قرار التأميم "مغامرة غير محسوبة" كما يحلو لبعض العاجزين وصف كل ما يكشف تخاذلهم، و إنما كان التأميم أحد الخطوات في خطة مدروسة بعناية، حيث كانت كل المعلومات تؤكد أن بريطانيا لا تملك من القوات في كينيا و قبرص و عدن( أقرب قواعد لها في المنطقة ) ما يكفي لشن هجوم فوري على مصر، و هو الأمر الذي سيتطلب وقتا للإعداد للقوات الكافية للهجوم، و في هذه الفترة تعمل مصر على تعبئة الرأي العام العالمي، و تهيئته للوصول على حل سلمي، مع وضع الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي، و المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة في الاعتبار.
و بالفعل احتاجت بريطانيا و فرنسا إلى ثلاثة شهور لبدء العدوان الذي شاركهم فيه الكيان الصهيوني، حيث بدأ العدوان في 29 أكتوبر 1956، و كانت هذه الفترة مناسبة لتحقيق الخطة المصرية في تعبئة الرأي العام العالمي، حيث صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة في جانب انسحاب القوات البريطانية والفرنسية والصهيونية، بلا قيد أو شرط، وأصرت الولايات المتحدة على إعلان وقف إطلاق النار، و خاصة بعد أن أرسل الاتحاد السوفيتي إنذارا إلى بريطانيا، فرنسا و الكيان الصهيوني بضرورة الانسحاب من الأراضي المصرية و إلا فإن الاتحاد السوفيتي سيكون مضطرا للتدخل العسكري، و بذلك نجحت خطة الرئيس عبد الناصر .. أممت القناة .. انسحب الغزاة .. و بنينا السد العالي.
و بعد 50 عاما من قرار التأميم في مصر .. يرتفع هناك و على مقربة من الولايات المتحدة و بالتحديد في بوليفيا، يرتفع صوت .. " أتينا إلى هنا في هذا اليوم التاريخي لنعبر عن مشاعر ورغبات الشعب البوليفي وهي تأميم الموارد الطبيعية من النفط والغاز" .. يرتفع الآن في بوليفيا صوت .. "من هذه اللحظة، سينتهي نهب الشركات الأجنبية لمواردنا الطبيعية، من هذا التاريخ، تؤمم كل مصادر الطاقة في ترابنا الوطني"، كان ذلك صوت إيفو موراليس صاحب أول قرارات تأميم في القرن الواحد و العشرين، في بوليفيا .. الدولة التي شهدت مقتل الثائر العالمي تشي جيفارا، الذي عاش حياته مناضلا من أجل الاشتراكية حتى انتهت حياته في هذا البلد الفقير، و لكن يبدو أن روح جيفارا كانت قد سكنتها، و ناضل فيها حتى بعد مماته ليأتي الشعب البوليفي بالاشتراكيين إلى سدة الحكم، و لكن هذه المرة عبر صندوق الانتخابات.
لم يكن قرار التأميم الذي اتخذه موراليس غريبا، حيث كان ذلك أحد النقاط في برنامج حزبه (الطريق إلى الاشتراكية) الانتخابي، و إن كان البعض اعتبر هذه الوعد الانتخابي مجرد وعدا لا يجرؤ أي مخلوق على تنفيذه، و خاصة في عالم يحكمه قطب واحد يكمن مركز قيادته في واشنطن، و لكن الغريب حقا أن ينفذ موراليس قرار التأميم بنفس الخطة التي نفذ بها الرئيس عبد الناصر قراره، ففي حين اختار الرئيس عبد الناصر يوم رحيل الملك يوما للتأميم باعتباره يوما وطنيا، اختار الرئيس موراليس يوم عيد العمال يوما للتأميم باعتباره يوما أمميا يحتفل به عمال العالم أجمع، عملية التأميم نفسها اتخذت نفس الأدوات التي اتخذها الرئيس عبد الناصر، حيث أصدر الرئيس موراليس أوامره للجيش و سلاح المهندسين في الجيش البوليفي بالسيطرة على الشركات المؤممة و رفع العلم البوليفي عليها، حتى الفترة الزمنية التي استغرقتها عملية التأميم كانت نفس الفترة التي استغرقتها عملية التأميم في مصر، فما أن انتهى الرئيس موراليس من خطابه حتى كانت المهمة قد انتهت بنجاح، و رفع على الشركات المؤممة عبارة "ممتلكات مؤممة .. ملكا للبوليفيين".
50 عاما مرت على مثل هذه الكلمات في مصر .. كلمات قد يكون البعض قد نساها، و مواقف يعمل البعض عن عمد على تشويهها، اتخذها إخوة لنا في الإنسانية طريقا لهم بعد أن عرفوا و قرروا أن يعملوا من أجل نهضتهم، فهل لها من عودة إلى أرض الكنانة ؟.