Thursday, June 7, 2007

عامل و مخبر و متظاهر

نشر بموقع عشرينات
أحمد بلال
أثارت موجة الإضرابات العمالية التي اجتاحت مصر في الفترة الماضية العديد من التساؤلات في نفوس الكثيرين، و من هذه التساؤلات، كان التساؤل حول ماهية مكاتب الأمن الموجودة داخل الشركات و المصانع، و هل ثمة علاقة بينها و بين أمن الدولة ؟، و ما هو الدور الذي من المفترض أن تقوم به ؟، و ما هو الدور الذي تقوم به فعليا في الوقت الحالي ؟، و ما هو الدور الذي قامت به خلال تلك الإضرابات العمالية ؟، هذه التساؤلات و غيرها نحاول الإجابة عنها في هذا التحقيق..
حمدي حسين، نقابي في غزل الدلتا قال لنا "أي منشأة لابد و أن يكون فيها عنصر الأمن و ذلك للحفاظ على منشآت الشركة من الداخل و الخارج و الحفاظ على الضبط و الربط داخل الشركة بمعنى ضبط المواعيد و الحفاظ على تواجد كل فرد في مكان عمله".
و قارن حمدي حسين بين الدور الذي كانت تقوم به مكاتب الأمن في الشركات في فترة معينة و الدور الذي تقوم به حاليا فقال "أثناء حكم الرئيس عبد الناصر و حرب الاستنزاف، كان لأمن الشركات دور قومي عظيم حيث كان يتم تدريبه على الدفاع الشعبي و ذلك لحماية المنشآت من أي محاولة للتسلل من جانب العدو الصهيوني بهدف تخريب تلك المنشآت، و مع بداية السبعينات و عصر الانفتاح، استولى الأمن القومي على زمام الأمور، و أصبح الحاكم بأمره بالفعل في بعض الشركات الكبيرة، مثل شركة مصر للغزل و النسيج بالمحلة الكبرى و الغزل و النسيج بكفر الدوار، و مصر حلوان للحديد و الصلب و شركة إسكو بشبرا الخيمة".
و يؤكد النقابي حمدي حسين صدور قرار يقضي بأن "تتم معاملة هذه الشركات في جهاز الأمن القومي معاملة محافظة، حيث توجد مكاتب للأمن القومي في هذه الشركات منفصلة عن مكاتب الأمن القومي في المحافظة التابعة لها الشركات، و بذلك أصبح الأمن القومي هو المسئول الأول عن تلك الشركات الكبيرة بالإضافة إلى مكاتب أمن الدولة الموجودة داخل كل منشأة، أو على الأقل سيطرة أمن الدولة الكاملة على مدراء الأمن الموجودين في الشركات و المصانع، و ذلك لإعداد التقارير اليومية عن الشركة".
و يضيف فتحي عنبر عامل الأمن السابق بمرفق النقل الداخلي بالمحلة أن "في كل مجموعة شركات صغيرة في منطقة جغرافية معينة يوجد فرد من أمن الدولة متابع لهم يتنقل بينهم باستمرار يوميا، أما الشركات الكبيرة فيتفرغ لكل شركة مكتب لأمن الدولة"، أما فتحي أبو العز العامل بشركة مصر للغزل و النسيج فقد أكد لنا أن "قيادات مكاتب الأمن في الشركات من ضباط و مشرفي الأمن يتشطون في جمع المعلومات و عمل التقارير و تقديمها ليس فقط إلى أمن الدولة و لكن أيضا إلى إدارة الشركة"، و هو ما يؤكده أيضا أحد أفراد الأمن في إحدى المنشآت الصناعية الكبرى في مصر و الذي فضل عدم ذكر اسمه حيث أكد أن العلاقة بين مكاتب الأمن في الشركات و أمن الدولة تقتصر على قيادات الأمن داخل المنشأة فقال "العلاقة بأمن الدولة تكون على مستوى ضباط و مشرفي و مدير الأمن الذي يرفع تقرير يومي إلى أمن الدولة عن المنشأة".
أما محمد عبد الرحمن العامل بمرفق النقل الداخلي بالمحلة الكبرى فقال "تختلف وظيفة مكاتب الأمن في الشركات من موقع لآخر حسب طبيعة الأعمال التي تقوم بها المنشأة، على سبيل المثال الأمن في شركات النقل تكون مهمته مراقبة أي محاولات لتعطيل العمل عن طريق استنزاف وقت العمل أو محاولة سرقة بعض قطع الغيار، و تفتيش العمال أثناء الخروج و الدخول من الورش"، و رغم ذلك تم الكشف مؤخرا في مرفق النقل الداخلي بالمحلة الكبرى عن سرقة 21 بطارية سيارة و برميل كل محتوياته من النحاس بالإضافة إلى أكثر من 10 تابلوهات سيارات، الأمر الذي تم معه بعد انفضاحه تغيير مدير الأمن عماد العايدي و مشرفي الأمن.
أما عن هيكل العمل داخل مكاتب الأمن في المنشآت فيتدرج تصاعديا كالآتي، فرد الأمن و هو فرد الحراسة، و يشرف عليه ضابط أمن و يكون على مستوى المصنع، و خاضع لإشراف مشرف الأمن و هو مشرف أمن الوردية الذي يحل محل مدير الأمن و يكون على مستوى القطاع، و ذلك بالإضافة إلى مدير أمن المنشأة الذي يدير العملية الأمنية كلها فيها.
و يبدأ فرد الأمن عمله قبل بدء الوردية بنصف ساعة حيث يذهب فرد الأمن إلى نقطة التفتيش و بعد تفتيش العمال يوزعهم ضابط الأمن كل منهم حسب المكان الذي يحدده له الضابط و يتم تغيير الأماكن كل عدة أيام، و "تقسم المنشأة إلى عدة نقاط على حسب طبيعة عملها فعلى سبيل المثال تجد نقطة لمحطات الكهرباء و المياة و البخار و الورش و المخازن و الأسوار و البوابات و الأقسام"، و هو ما أكده لنا "أ.س" أحد عمال الأمن في منشأة صناعية كبيرة.
و قسم لنا "أ.س" فرد الأمن إلى قسمين "حارس مسلح و مهمته حراسة البوابات و الأسوار و يطلق عليه طوف خارجي حيث يقوم بحراسة المنشأة من الخارج، و الحارس غير المسلح و توكل إليه مهمة الحراسة الداخلية، و ينشط في جمع المعلومات، حيث يقتضي عليه الدخول وسط أي تجمع عمالي بروح من الدعابة لمعرفة سبب التجمع، و إن كان هناك منهم من يتضرر أو غاضب من شيء ما، بعدها يبلغ رئيسه في العمل بأسماء العمال و مكان التجمع و سببه، و ذلك بالإضافة إلى تفتيش الورديات أثناء الخروج و الدخول"
التعليمات دائما "ملكش دعوة بالعمال لو حصل أي احتجاج" هكذا أكد لنا فرد الأمن "أ.س"، أما الدور الذي يقومون به في حالة الغليان العمالي هو فقط "الطلب من العمال عدم المساس بالمنشآت، و يتم ذلك من بعيد و بالميكروفون حيث لا يستطيع أي فرد أمن أو حتى مدير الأمن نفسه النزول إلى العمال!، و تسلم إدارة أمن المنشأة برمتها إلى أمن الدولة" على حد قوله، و هو ما حدث في ديسمبر الماضي عندما تسلمت الداخلية و أمن الدلة شركة مصر للغزل و النسيج بالمحلة الكبرى.
و رغم أن فتحي أبو العز العامل السابق بشركة مصر للغزل و النسيج قد أشار إلى دور ما لعبه العمال في الانتفاضة العمالية التي اجتاحت المحلة الكبرى عام 1975 حيث قال "سنة 1975 اندس عمال الأمن وسط العمال و كتبوا تقارير عن القيادات العمالية و سلموا تلك التقارير للإدارة التي سلمتها بدورها لأمن الدولة الذي قام بدوره هو أيضا في اعتقال تلك القيادات!"، إلا أن النقابي العمالي حمدي حسين رأى أن "فرد الأمن هو عامل أو موظف أيضا و لذلك فعندما يمس الموضوع أرباح العمال أو حوافز كبيرة نجد أمن الشركة يساند العمال في تحركهم و أذكر أنه في عام 1988 عندما رفعنا نعش عليه صورة حسني مبارك في المحلة الكبرى، كان أمن الشركة هو الذي أتى لنا بالخشب و القماش و صور مبارك، و أمن الموقف حتى خرج النعش، و هو ما حدث تقريبا في ديسمبر 2006 في إضراب عمال المحلة الشهير، حيث وقف أيضا عمال الأمن مع زملائهم العمال"، و أضاف حمدي حسين "بعد عام 1988 عندما علم الأمن القومي و أمن الدولة أن أمن شركة مصر للغزل و النسيج بالمحلة كان له دورا في الاحتجاجات العمالية، قرر تعيين عدد كبير من مخبري أمن الدولة في الشركة على أساس أنهم عمال، و ذلك للتجسس على عمال الشركة"!!.
مهمة الأمن في الشركات و المصانع يبدو أنها أيضا تتحلى بصفة ما هو مفترض و ما هو قائم، و كل منهما يناقض الآخر، و هي أيضا الصفة التي ترافق كل شيء في الوطن، أو ما يفترض أنه وطن، فالمهمة العلنية للأمن في الشركات هي ملاحظة و مراقبة و ضبط أي خلل أو تلاعب في وسائل الإنتاج، مراقبة دخول و خروج العمال و فض أي منازعات تصادمية بين العمال و بعضهم في أماكن العمل، و عند حدوث حالة احتجاج عمالي تصبح مهمة الأمن هي المساعدة على عدم وقوع أي أحداث تخريبية من قبل أي عناصر تستهدف ذلك، إلا أن ما هو قائم و مع ضغط أجهزة الأمن السياسي أصبحت مهمة الأمن عبارة عن وسيلة لجمع المعلومات و نقل صورة ما يدور في أوساط العمال أو الشرائح المحتجة، أو لنقل أن السلطة اختزلت مهمة أمن الشركات من الحفاظ على أمن المنشأة إلى الحفاظ على أمن النظام الحاكم.

No comments: