Thursday, July 12, 2007

الحركة من أجل الكستور

نشر بموقع عشرينات
أحمد بلال
منذ عدة سنوات ظهرت على الساحة المصرية حركة سياسية جديدة قالوا وقتها أنها قلبت الموازين السياسية المصرية، و تفائل البعض حتى اعتقد أن خلاص الشعب المصري لن يتأتي سوى على يد "الحركة المصرية من أجل التغيير" و التي عرفت باسم "كفاية"، و التي اختزلت برنامجها السياسي في المطالبة برفض التمديد و التوريث بالإضافة إلى دستور جديد للبلاد، و تمر سنوات لم تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة لتخمد الحركة التي باتت حلم الملايين، و تظهر حركة أتت بنتائج أضعاف أضعاف ما أتت به حركة كفاية، رغم أنها لم ترفع من الشعارات البراقة شئ، فلم يشغلها المطالبة بدستور للبلاد بقدر ما شغلها المطالبة بـ"كستور" للعباد الكادحين و المنتجين من أبناء هذا الوطن.
"الحركة من أجل الكستور" إن جاز لنا التسمية انطلقت شرارتها من المحلة الكبرى منذ حوالي سبعة أشهر و بالتحديد في ديسمبر الماضي، حين طالب عمال شركة مصر للغزل و النسيج تنفيذ قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 467 و الذي يقضي بزيادة الأرباح من 100 جنية، إلى نسبة شهرين على الراتب الأساسي، و عندما تعنتت إدارة الشركة و الحكومة في تنفيذ مطالب العمال، ما كان منهم إلا أن قاموا بإضراب ضم 27 ألف عامل، أربكوا به كل تقديرات الساسة سواء في الحكم أو في المعارضة، فالكل حتى ذلك الوقت لم يكن في حساباته أي اعتبار للطبقة العاملة، فالنظام توهم أنه نجح في ترويضها، و المعارضة اعتقدت أنها ماتت، و لن نتعدى الحقيقة إذا أنه حتى التيارات اليسارية لم تكن تتخيل تحركا عماليا بهذا الشكل.
إضراب عمال المحلة فتح الطريق واسعا أمام العمال في كافة أنحاء المحروسة للاحتجاج بكافة أشكاله سواء بالإضراب أو الاعتصام أو التظاهر في حركة عمالية كبيرة من أجل "الكستور"، فانتقلت الحركة من المحلة إلى عمال شركة الدلتا للغزل و النسيج بزفتى و عمال غزل كفر الدوار، و مصنع الدقهلية للغزل في ميت غمر، و غزل شبين، و القاهرة للزيوت و الصابون، و عمال السيوف و النوبارية، و المنصورة أسبانيا و سمنود للوبريات و العاملون في مصنع الطوب الرملي و .. و .. إلخ.
الإضرابات العمالية لم تتوقف على العمال الذين يعملون و يتجمعون داخل منشآت صناعية كبيرة تسمح لهم بالتجمع، و لكنها امتدت بعد ذلك لتشمل عمال النقل بالمحلة الكبرى و القاهرة، لتصل بعد ذلك إلى منهم أكثر تهميشا، عندما تظاهر عمال الهيئة العامة للنظافة والتجميل بمحافظة الجيزة، و لم تنجح الحكومة في إنهاء احتجاجهم سوى بقوات الأمن المركزي، و أضرب عمال السمك في السويس عن الطعام احتجاجا على عدم تنظيم عملية بيع السمك الأمر الذي يهددهم بإغلاق محلاتهم.
و تمتد الاحتجاجات بعد ذلك لتصل إلى أكثر الفئات المهمشة في مصر، سكان العشوائيات، ففي 20 مارس الماضي اندلع حريق ضخم في منطقة قلعة الكبش العشوائية بحي السيدة زينب بالقاهرة، الأمر الذي أسفر عن احتراق عشرات العشش السكنية و الأكشاك، و لم تكتفي الحكومة بفشلها في السيطرة على الحريق، و إنما قامت بعد ذلك بيومين بالتعدي على أهالي قلعة الكبش بالضرب و السحل بل و باستخدام القنابل المسيلة للدموع، و ذلك لإجبارهم على إخلاء مساكنهم، و هو ما قاومه الأهالي أيضا برشق الشرطة بالحجارة.
و كعادة السلطة في مصر دائما، استخدمت السلطة مع أهالي قلعة الكبش نظرية العصا بدون الجزرة، فبعد طردهم من منازلهم دون توفير أي بديل، افترش الأهالي الأرض و التحفوا السماء، إلا أن حركة مقاومتهم لم تنتهي، و بدؤوا في سلسلة من التظاهرات الشعبية العفوية أمام مجلس الشعب و محافظة القاهرة، و أمام قصر عابدين!!، مرددين هتافات "الكستور" مرة أخرى، مبتعدين عن شعارات النخبة النارية، "أبسط حق لينا لقمة عيش وبيت يأوينا"، "مدد مدد مدد عبد العظيم باع البلد"، "عبد العظيم ما تطل علينا مش سهلة نومة الشارع علينا" -عبد العظيم وزير محافظ القاهرة- ، "معتصمين و الحق معانا ضد حكومة أكيد ناسيانا"، و "آة يا حكومة هبش ونبش اسمعو صوت أهل الكبش"، و في مقابل ذلك استخدمت الحكومة التنكيل و الاعتقال بل و احتجاز أهالي قلعة الكبش مع محاميهم.!
و عن تلك الاحتجاجات التي بدأت في الانتقال بين أوساط المهمشين يقول د. محمود إسماعيل أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة عين شمس، و مؤلف كتاب "المهمشون في التاريخ الإسلامي"، أن ما يحدث هو "محض إشارات معبرة عن حالة الغضب الجمعى القابلة للانفجار من أجل التغيير، و لذلك و لغيره، فإن الثورة قدر حتمى لا مناص من وقوعه وهنا لابد أن نتساءل كيف؟ ومتى؟، والأهم من هم ثوار الغد؟.
و يجيب د. إسماعيل عن تساؤله قائلا "نحن نشكك فى دور الأحزاب المعارضة الهزيلة والمدجنة والتى نجح النظام القائم فى احتوائها، نخالف أيضا من يدعون إلى الرضا بالمقسوم، لأن البديل المرشح، الإخوان المسلمين، أبشع ضررا، كذا المراهنين على الولايات المتحدة بدعاويها المغرضة عن الديمقراطية والليبرالية، أما قوى اليسار، فلم تستفد من دروس الماضى، وطفقت تثرثر بدعاوى تحالفات أيديولوجية أفضت إلى مزيد من التشرذم والفرقة، الراجح فيما نرى أن ثورة الجياع وشيكة الاندلاع".!
تحركات المهمشون التي بدأت في الظهور مؤخرا على ساحة الاحتجاجات المصرية، لم تأت من فراغ، و إنما نتيجة واقع اجتماعي تعيشه مصر منذ سنوات، فعلى المستوى النظري فإن كتابات ابن خلدون و كارل ماركس و أرنولد توينبي، تؤكد أنه إذا فشلت المعارضة في الإجهاز على النظام القائم، فإن حلفا آخر سيتشكل من أحزمة الفقر حول المدن، و التي أسماها توينبي بالبروليتاريا الخارجية، و هم المهمشون، و الذين سيعملون على تغيير النظام او على الأقل خلخلة وجوده، و على مستوى الواقع فإن الشعارات النارية التي رفعتها النخبة لم تحقق شيئا يذكر على أرض الواقع، مما أفقدهم الثقة في تلك النخبة التي لم يعودوا يرونها إلا قلة من الأشخاص تتجمع لتهتف بكلمات نارية، و يحاصرهم الأمن ليتأفف بعد ذلك هؤلاء المهمشون من الأزمة المرورية المترتبة على ذلك!!.

No comments: