Sunday, April 15, 2007

بعد 30 سنة أحزاب .. إكرام الميت دفنه


كتب : أحمد بلال

ثلاثون عاما مرت على قرار السادات بإعادة التعددية الحزبية للحياة السياسية المصرية في نوفمبر 1976، بعد تجميدها بقرار من مجلس قيادة الثورة في 16 يناير 1953، لم يكن القرار ينم عن إيمان من أصدره بالديمقراطية، و كان ذلك واضحا في ممارساته، و خاصة سبتمبر 1981، عندما قرر اعتقال مصر كلها، فاعتقل كافة المفكرين و السياسيين و الصحفيين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، و إنما كان القرار بمثابة ديكور للتجربة الديمقراطية الوليدة "المزعومة"، و في كلتا الحالتين سواء اتفقنا أو اختلفنا، فإننا لن نختلف أن القرار جاء ليكمل مسيرة الحياة الحزبية المصرية التي بدأت منذ أكثر من قرن من الزمان.
تعد مصر واحدة من أقدم دول العالم التي عرفت النظام الحزبي، و كان ذلك في أواخر القرن التاسع عشر، عندما أسس العرابيون الحزب الوطني عام 1879، فكان أول حزب سياسي عرفته مصر، و قد نادى الحزب من خلال برنامجه الذي وقع عليه شيوخ و بطاركة و حاخامات، إلى مقاومة النفوذ الأجنبي، و إنقاذ مصر من الإفلاس، و الدعوة للإصلاح و تنظيم التعليم، و قد تزعم الجناح العسكري للحزب أحمد عرابي، في حين ترأسه سياسيا محمد حليم باشا، إلا أن ارتباط اسمه باسم أحمد عرابي كان و مازال الأكثر شيوعا حتى الآن، و قد انتهى الوجود الفعلي لهذا الحزب بعد نفي العرابيين في أعقاب ثورة عرابي، أو "هوجة عرابي" كما أطلق عليها المصريون آنذاك.
كان عام 1907 هو البداية الحقيقية للحياة الحزبية في مصر، حيث عمل مصطفى كامل على إعادة تأسيس الحزب الوطني من جديد، و كان أهم الأحزاب المصرية المعارضة للاحتلال الإنجليزي، إلا أن موقفه من قضية الخلافة العثمانية، لم يكن موقفا جذريا، حيث كان الحزب يرى أن مصر خاضعة للباب العالي في تركيا، و قد يكون ذلك نتيجة للظرف التاريخي، إلا أن الحزب الوطني كان في هذه الفترة حزب الوطنية المصرية.
و في نفس العام الذي أطلق عليه بعض المؤرخون "عام الأحزاب"، تم تأسيس أربعة أحزاب أخرى هي الحزب الجمهوري المصري، حزب الأمة و كان زعيمه أحمد لطفي السيد، حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية، و الحزب الوطني الحر و كان حزبا مواليا لسلطة الاحتلال، و قد توالى تأسيس الأحزاب المصرية بدون أية قيود قانونية تذكر، أو بمعنى أدق بدون قانون ينظم قيام و تشكيل الأحزاب، حتى عام 1923، و خلال هذه الفترة ظهر عدد آخر من الأحزاب كالحزب الاشتراكي، حزب العمال و حزب الوفد.
في عام 1923 و بعد كفاح طويل خاضه أبناء الشعب المصري، صدر دستور 23، الذي حد من سلطات الملك، فأصبح ملكا .. يملك و لا يحكم، و الحكم للشعب من خلال البرلمان، و قد حدد الدستور كيفية قيام الأحزاب و الجمعيات حيث نصت المادة الأولى من دستور 23 على أن "للمصريين حق تكوين الجمعيات و كيفية استعمال هذا الحق يبينه القانون"، و قد شهدت هذه الفترة حراكا سياسيا كبيرا، و تم تشكيل عدد كبير من الأحزاب، كان معظمها أحزاب أقلية انشقت عن حزب الوفد، مثل الأحرار الدستوريين، الحزب السعدي و حزب الكتلة الوفدية، كما لعب اليسار دورا كبيرا في هذا الفترة و تم تشكيل عدد من التنظيمات اليسارية كالحزب الشيوعي المصري، حزب العمال الاشتراكي، حزب الفلاح المصري و الحركة الديمقراطية من أجل التحرر الوطني (حدتو)، و قد كان لهذه التنظيمات دورا سياسيا كبيرا و خاصة في فترة الأربعينات.
23 يوليو 1952، كانت مصر على موعد مع تغيير شامل، شمل كافة مناحي الحياة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، و لم تكن الحياة الحزبية بعيدة عن هذا التغيير، حيث أن كان أعضاء مجلس قيادة الثورة مختلفين فيما بينهم في هذا الشأن، فمنهم من كان يرى ضرورة استمرار الحياة الحزبية و عودة الجيش لثكناته، و فريق آخر يرى أن الأحزاب الموجودة منها من تحالف مع الملك و منها من تحالف مع القصر و كانت سببا في استمرار الاحتلال العسكري لمصر.
بعد قيام الثورة بأقل من شهرين، و بالتحديد في 9 سبتمبر 1952، صدر مرسوم بقانون رقم 179 الخاص بتنظيم الأحزاب السياسية، و لم يشترط سوى إخطار وزير الداخلية عن الحزب المراد تكوينه، مع إعطاء وزير الداخلية حق الاعتراض عليه خلال شهر واحد من تقديم الإخطار، كما أعطى القانون لذوي الشأن حق الطعن على هذا الاعتراض أمام محكمة القضاء الإداري خلال أسبوعين من الرفض، و في 16 يناير 1953 انتصر الفريق الآخر الذي رأى ضرورة إلغاء الأحزاب السياسية بسبب تحالفها في الفترة السابقة مع الملك و الإنجليز، حيث أصدر مجلس قيادة الثورة قرارا بإلغاء جميع الأحزاب السياسية القائمة و إنشاء تنظيم حزبي واحد، فتم تشكيل هيئة التحرير، ثم حل محلها الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي العربي، كانت الحجة التي استندوا إليها في قرارهم هي فشل الحياة الحزبية قبل الثورة، و استدلوا على ذلك بأن الفترة السابقة للثورة تم تشكيل 38 وزارة بمتوسط عمر 9 أشهر للوزارة الواحدة (منها وزارات استمر عملها ليوم واحد فقط)، كما لم يكمل أي برلمان مدته الدستورية إلا برلمان 1954، و ذلك بسبب التحالفات التي كانت تعقدها الأحزاب مع القصر أو الإنجليز في هذه الفترة للوصول إلى السلطة، كما أن المرحلة كانت تقضي من وجهة نظر الكثيرين تعبئة كافة القوى الشعبية لمواجهة الاحتلال الإنجليزي في بادئ الأمر، و لمواجهة الظروف التي مرت بها مصر بعد ذلك.
في عام 1975 قرر السادات تشكيل منابر ثلاثة داخل الاتحاد الاشتراكي، منبر لليمين (الأحرار الاشتراكيين) و تزعمه مصطفى كامل مراد، و منبر للوسط (مصر العربي) و تزعمه ممدوح سالم، و منبر لليسار (التجمع الوطني التقدمي الوحدوي) و تزعمه خالد محي الدين، كان قرار السادات بتشكيل المنابر السياسية و من بعدها الأحزاب مجرد ديكورا للديمقراطية التي ادعى تطبيقها، و المثير للدهشة أو بمعنى أدق المثير للضحك أن منبر اليمين و منبر الوسط رفعوا اسم الاشتراكية، و كأنها محاولة لتملق الجماهير التي عاشت حلم عبد الناصر الاشتراكي.
و استكمالا للديكور قرر السادات تحويل المنابر لأحزاب في 11 نوفمبر 1976، و صدر قانون تنظيمها في يونيو 1977، و في عام 1978 قرر السادات تشكيل حزب جديد يرأسه بنفسه، على أنقاض حزب مصر العربي الاشتراكي، فكان الحزب الوطني الديمقراطي، و تم الاستيلاء على مقرات حزب مصر، و بمجرد إعلان السادات عن تأسيس الحزب سارع كل قيادات حزب مصر و أعضائه بالانسحاب منه و الانضمام إلى الحزب الجديد أو "حزب الرئيس".
و بعد انتفاضة الخبز التي أطلق عليها السادات "انتفاضة الحرامية"، في 18 و 19 يناير 1977، تم تشكيل حزب العمل الذي ترأسه إبراهيم شكري، و شغل موقع الأمين العام فيه محمود أبو وافيه عديل السادات، و ذلك للحد من المد اليساري الجارف بين أبناء الشعب المصري و الذي قاده حزب التجمع، و ظهر جليا في انتفاضة الخبز التي كادت تطيح بعرش السادات.
أما حزب الوفد الجديد فتم إعادة تشكيله في يونيو 1978، بعدها تم تجميد نشاطه إلى أن عاد بحكم محكمة في عام 1983، و في عام 1991 أصدرت المحكمة الإدارية العليا قرارا بتأسيس ثلاثة أحزاب مصرية، كانت قد رفضتها لجنة الأحزاب، و هذه الأحزاب هي حزب مصر الفتاة، حزب الاتحاد الديمقراطي و حزب الخضر المصري، بعدها ظهر في مصر عدد كبير من الأحزاب كان آخرها حزب المحافظين الذي
و الآن .. و نحن في عام 2006 أي بعد مرور 30 عاما على التجربة الحزبية في مصر يمكننا تقسيم الأحزاب المصرية إلى أربعة أجيال :
* الجيل الأول ( أحزاب تأسست عام 1976 ) :
1 – حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي.
2 – حزب مصر العربي الاشتراكي.
3 – حزب الأحرار الاشتراكيين.
* الجيل الثاني ( من 1976 : 1990 ) :
4 – الحزب الوطني الديمقراطي.
5 – حزب الوفد الجديد.
6 – حزب العمل.
7 – حزب الأمة.
* الجيل الثالث ( من 1990 : 2000 ) :
8 – الحزب العربي الديمقراطي الناصري.
9 – حزب مصر الفتاة.
10 – حزب العدالة الاجتماعية.
11 – حزب التكافل الاجتماعي.
12 – حزب الشعب الديمقراطي.
13 – الحزب الاتحادي الديمقراطي.
14 – حزب الوفاق القومي.
15 – حزب الخضر المصري.
* الجيل الرابع ( 2000 : 2005 )
16 – حزب الجيل الديمقراطي.
17 – حزب مصر 2000.
18 – الحزب الدستوري الاجتماعي.
19 – حزب الغد.
20 – حزب السلام الديمقراطي.
21 – حزب شباب مصر.
22 – حزب المحافظين.
23 – الحزب الجمهوري الحر.
و هكذا، ظهرت على الساحة المصرية، 23 حزبا سياسيا في 30 عاما، يعجز حتى السياسيون عن حفظ أسمائهم، و بعد ثلاثين عاما من إعادة التعددية الحزبية في مصر، يؤكد المواطن العادي أن الأحزاب الموجودة أحزاب غير فاعلة، و تؤكد قيادات الأحزاب أن القيود المفروضة عليها سببا في عدم قدرتها على الالتحام بالجماهير، و يؤكد النظام أنه لا توجد قيود على حركة الأحزاب و على الأحزاب أن تتوجه للمواطن، و من كل هذه التأكيدات و الآراء يتأكد لنا شيء واحد فقط، و هو أن التجربة الحزبية الحديثة فشلت في مصر، و إن كان لهذا الفشل أسبابه، التي يشترك فيها زوايا المثلث الثلاث .. النظام .. الأحزاب .. المواطن.

3 comments:

Anonymous said...

الأستاذ أحمد بلال
الحقيقه الموضوع مثرى جدا وعظيم, ودى أول مره أشوف فيها سرد لأسماء ال 23 حزب اللى بيقولوا عليهم,لكن بأختلف معاك فى نقطه, حضرتك قلت أن "كان قرار السادات بتشكيل المنابر السياسية و من بعدها الأحزاب مجرد ديكورا للديمقراطية التي ادعى تطبيقها" يعنى الفكره من الأول مش غرضها تدعيم الديموقراطيه, لكن كانت من البدايه ديكور, وبعدين فى آخر المقال تذكر أن أسباب الفشل المواطن والأحزاب والنظام.
ماذا تقصد حضرتك بكلمة المواطن, وإذا كنت تعنى بها رجل الشارع العادى فما هى درجة وعيه حتى نحمله المسؤليه ؟؟
بالنسبه للأحزاب وقيادتها كانت هناك فى البدايه أعتراضات على العرض الذى قدمه الرئيس الراحل أنور السادات الله يرحمه حول فكرة تكوين الأحزاب, وهناك أفراد أعترضوا ولكنهم أنضموا للأحزاب لعدم وجود حل آخر أو لأسباب أخرى, وهؤلاء أرى أنه لا يمكن أن نحملهم المسؤليه, ولكن البعض الآخر أرتضى أن يكون جزءا من الديكور, ووافق على العرض, وأحيانا يطلق عليهم أصحاب الدكاكين, وهؤلاء يمكن أن نحملهم جزء من المسؤليه
أما بالنسبه للزاويه الثالثه ففى رأيى وكما يشير المقال عدا السطر الأخير بأنها تتحمل المسؤليه كامله فى فشل التجربه الحزبيه فى مصر, وإن كانت يمكن أن تسمى بغير ذلك, فهى من البدايه كانت أشبه بصفقه بين السادات وبين آخرون, اللى اشترى اشترى واللى باع باع.

هناء صابر said...

لأول مرة أقرأ ملخص سريع عن حال الحياة الحزبية فى مصر....و للأسف بذكرك عدد الاحزاب الموجودة فى مصر _المركونة على الرف_ يدعوللعار و للخزى .....ومعك كل الحق فى ان تعول على انهيار الحياةالحزبية فى مصر على ثالوث :
النظام....و القمع و التعنت و الإصرار على عدم اعطاءالفرصة للأحزاب الجادة.....أيضا بتخريب الأحزاب من الداخل وملءها بالصراعات حتى تبتعد عن الراك السياسى
الأحزاب ...عدم نزولها للشارع و الواطن المصرى ...و بعدها عن اهتماماته واكتفائهم بالصراعات والصفصطة السياسة ...
المواطن ...اعتاد عل ان يقول نعم بدون ان يكون يريدها أو يعيها ...و اعتاد السلبية والإستكانة و الرضا بالقسمة و النصيب و اللى نعرفه احسن من اللى منعرفوش .....مين دة من المواطنين اللى هيروح و ينضم لحزبسياسى و هو بيخاف من ضله .......

هناك بادرة امل للتغيير : الحركات الشعبية ..ولكن حزارى من ان يكون لدى هذه الحركات الحل البديل لما نعيشه منوضع سىء و ان لا تبتعد بدورها ع الشارع المصرى

هناء صابر said...

انا اقصد بالطبع تبقى مشكلة لوقامت لحركات الشعبية بدن خطة و حلول بديلة لوضع القائم...يرضى المواطن المصرى البسيط قبل المثقف والمقتدر