Thursday, April 26, 2007

عاشت فنزويلا حرة عربية


كتب : أحمد بلال

بعد مظاهرات ضخمة أمام السفارة الصهيونية في العاصمة، تم خلالها إحراق العلم الصهيوني أمام عدسات المصورين و وكالات الأنباء العالمية احتجاجا على العدوان على لبنان، ظهر الرئيس على شاشات التليفزيون ليعلن "إن ما تقوم به إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني عمل فاشي .. إرهاب وفاشية" .. "إنه لأمر يثير السخط والنقمة أن ترى كيف تواصل دولة إسرائيل عمليات قصف و قتل كل هؤلاء الأبرياء بطائرات أمريكية، و بكل الأسلحة التي تملكها، بدعم من الولايات المتحدة. ". و لذلك "لقد أمرت بسحب سفيرنا لدى إسرائيل".
بالطبع لم تكن العاصمة أي عاصمة عربية يدنسها العلم الصهيوني، فأنظمتنا العربية تعمل كل ما في وسعها لمنع وصول المتظاهرين أو حتى المواطنين العاديين إلى مقر سفارة العدو، حتى لا يزعجون أصدقائهم في تل أبيب أو يغضبون سادتهم في واشنطن، و بالطبع أيضا لم يكن هذا الرئيس واحدا من حكامنا العرب فكل ما لديهم هو الشجب و الإدانة و عندما يكون موقفهم متشددا يكون "ندين بأقوى العبارات" على حد تعبير حسني مبارك، و لما كنا في زمن المسخ فليس غريبا أن يخرج منهم من يحمل المقاومة الباسلة المسئولية عما حدث و ما سيحدث.
و في زمن تأتي العروبة فيه من غير موطنها، يصبح قرار سحب السفير من الكيان الصهيوني ليس قرارا عربيا، و إنما قرارا لاتينيا اتخذه الرئيس الفنزويلي الاشتراكي هوجو شافيز، في خطوة صدمت الكيان الصهيوني و الولايات المتحدة، و نزعت ورقة التوت الأخيرة من على هؤلاء الحكام المثبتة عروشهم بمسامير أمريكية، و خاصة هؤلاء الذين صدعونا بحديثهم عن العقل و المنطق في زمن لا يعرف إلا لغة القوة.
و برغم أن قرار سحب السفير الفنزويلي من "إسرائيل" كان مفاجأة بكل المقاييس، إلا أن موقف فنزويلا من الهجوم الصهيوني على لبنان ليس غريبا، فالمعروف عن شافيز هو تعاطفه و دعمه الشديد للقضايا والحقوق العربية، و هو واحد من أشد المنتقدين للحرب البربرية على العراق في مارس 2003، وللسياسة الخارجية للرئيس الأمريكي جورج بوش، الذي يصفه شافيز بأنه "وحش إمبريالي"، و "رجل خطير على استقرار العالم".
لم يكن تأييد شافيز للقضايا العربية مجرد كلمات للاستهلاك الإعلامي و الدعائي، و إنما دعما حقيقيا على أرض الواقع، صدم به الجميع عندما كان الرئيس الوحيد الذي زار العراق تحت الحصار، برغم التحذيرات الأمريكية التي التزم بها الجميع و على رأسهم القادة العرب، و كأنها نصوص مقدسة.
لم ينتقد شافيز حزب الله في تصريحاته، و لم يرتدي لباس الحكمة المزيف و يدعي أن المقاومة المشروعة هي "مغامرات غير مسئولة"، و لم يستخدم شافيز الكلمات الدبلوماسية المنمقة و المختارة بعناية حتى لا تغضب السيد الأمريكي، فرجل مثل شافيز لا يعرف ساده، و لا يؤمن بهم، زعيم مثل شافيز لا يعرف إلا سيادة الشعب، أما هؤلاء الذين كفروا بشعوبهم و آمنوا بالسيد الأمريكي، فما هم إلا عبيد تربعوا على عروشهم في غفلة من الزمن.
كانت تصريحات شافيز واضحة "إن ما تقوم به إسرائيل مماثل لما قام به هتلر في الحرب العالمية الثانية" .. "ما تقوم به إسرائيل اليوم ضد الفلسطينيين واللبنانيين هو إرهاب وفاشية"، و طالب شافيز الدول صاحبة القرار بالتدخل "لوقف هذه الاعتداءات الوحشية التي تتقمص خلالها إسرائيل دور الشيطان، وتظهر للعالم مثل هتلر والنازية وتتصرف مثل الوحش الكاسر في مواجهة مدنيين عزل وتستخدم ضدهم كل أنواع الأسلحة ومن ورائها أمريكا الإمبريالية والبنتاجون الذي لعب دورا رئيسيا في التخطيط لهذه الحرب".
لم يتملق شافيز الولايات المتحدة و يعلن أن العلاقة بينه و بينها علاقة قوية، و لم يعلن أن هناك تحالفا استراتيجيا يربط بين الدولتين، كما يفعل البعض، و إنما هاجم بكل وضوح الدور الأمريكي في العدوان الصهيوني على لبنان، و اتهم وزارة الدفاع الأمريكية بأنها هي التي "خططت للعملية العسكرية "الإسرائيلية" في لبنان ... في إطار محاولة للسيطرة على المنطقة الغنية بالنفط"، و أضاف "اليد الأمريكية تدفعهم.. إنها وراء العدوان الإسرائيلي. إنه عدوان استعماري وإسرائيل إحدى أدوات الاستعمار".
الرئيس شافيز .. الذي يظهر في العديد من المناسبات مرتديا الكوفية الفلسطينية، ليذكر العالم أجمع بمأساة شعبنا العربي الفلسطيني، كانت بلاده من أولى الدول التي أبدت استعدادها لاستقبال قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي تقود الحكومة الفلسطينية الحالية، بعد أن فرضت أغلب الدول الأوربية الكبرى والولايات المتحدة حصارا اقتصاديا وسياسيا عليها إثر فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، و لم يعتذر وزير خارجيته عن استقبال وزير الخارجية الفلسطيني، و لم تتهم حكومته حماس بتهريب السلاح من أراضيها، كما فعل من يفترض بأنهم عرب و أشقاء.
و عن رؤيته لإنهاء الصراع على أرضنا العربية يقول شافيز "إذا أردنا أن نحل مشكلة يجب أن ننظر إلى جذورها (في إشارة للكيان الصهيوني)، وان ننظر من الذي يساعد إسرائيل ومن يزودها بالأسلحة التي تشن بها الحرب".
لم يسعى للحج إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي كما يفعل البعض، بل انتفض شافيز عندما حاولت إحدى الصحفيات مقارنة تصريحاته بتصريحات بوش .. انتفض شافيز و اعتبرها إهانة و رفض مقارنته "بأكبر شخص ارتكب جرائم إبادة في تاريخ البشرية، وهو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية - القاتل ومرتكب جرائم الإبادة الجماعية وعديم الأخلاق- الذي ينبغي جرّه إلى السجن من قبل محكمة دولية .. لست أدري إلى أي شيء تشيرين عندما تقارنينني بالرئيس بوش".
و تسائل شافيز مستنكرا "هل قمت بغزو دولة ما ؟ هل قام الشعب الفنزويلي بغزو أي شيء ؟ هل قمنا بقصف أي مدينة ؟ هل قمنا بمحاولات انقلابية ؟ هل استخدمنا وكالة الاستخبارات المركزية CIA لقتل رئيس ؟ هل قمنا بحماية إرهابيين في فنزويلا ؟!"
وكان شافيز البالغ من العمر 52 عاما قد انتخب رئيسا لفنزويلا للمرة الأولى عام 1998 في أعقاب حملة انتخابية تعهد خلالها بمحاربة الفقر واستخدم مليارات الدولارات من عائدات النفط في تمويل برامج للتنمية من اجل الفقراء في إطار ما يصفه بثورته الاشتراكية، كما قام بإصلاحات اقتصادية هامة من أبرزها توزيع الأراضي على الفقراء بعد أن كانت في أيدي قلة من الإقطاعيين، و بالطبع لم ترضى الولايات المتحدة عن الخط الاشتراكي الذي تسلكه فنزويلا بقيادة شافيز.
و في 11 إبريل 2002، قامت مجموعة من ضباط الجيش المدعومين أمريكيا بانقلاب عسكري على هوجو شافيز، و قاموا باعتقاله في قاعدة عسكرية تبعد عن العاصمة كراكاس بحوالي 100 كيلو متر، و في خلال 48 ساعة فشل الانقلاب العسكري على أثر الانتفاضة الشعبية التي قامت بها الطبقات الفقيرة في فنزويلا مطالبة بعودة شافيز، و أسفرت عن مقتل 41 مواطنا و جرح 323 آخرين، فقراء فنزويلا الذين عمل شافيز على استعادة حقوقهم، اقتحموا القصر الرئاسي الذي جلس فيه المنقلبون مطالبين باستعادة رئيسهم المعتقل، و بالفعل أحبطت جماهير فنزويلا الفقيرة الانقلاب العسكري و عاد شافيز للقصر الرئاسي مرة أخرى، في سابقة هي الأولى من نوعها في التاريخ.
إذا كانت العروبة تعني الشرف و العزة و الكرامة، فإن شافيز قد أظهر من العروبة ما لا طاقة لحكامنا به، هؤلاء الذين أخفوا تخاذلهم و راء ستار العقل و المنطق، و اعتبروا المقاومة المشروعة مغامرة غير محسوبة دون حتى أن يقدموا بدائل، فهم و الاحتلال في خندق واحد، و لن نحصل على حريتنا و استقلالنا و لن نشعر حتى بإنسانيتنا إلا عند التحرر من كلاهما معا، أما شافيز فمرحبا به عربيا أبيا .. و عاشت فنزويلا حرة عربية.

No comments: