Friday, April 13, 2007

في ذكراها الـ 32 : الست و الزعيم و الوحدة العربية!!

في ذكراها الـ 32 : الست و الزعيم و الوحدة العربية!!

أحمد بلال

- لقد استطعت يا أم كلثوم تحقيق ما فشلنا في تحقيقه
- و ما هو يا ريس ؟!
- الوحدة العربية
هكذا تحدث الزعيم جمال عبد الناصر إلى أم كلثوم في أحد لقائاتهما, و الحقيقة أن ناصر لم يتجاوز الحقيقة أو يبالغ فيما قال, فإذا كان القادة و الثوار قد حلموا بهذا الحلم يوما و عملوا على تحقيقه إلا أنهم فشلوا جميعا, أم كلثوم وحدها هي التي نجحت في تحقيق هذا الحلم نجاحا منقطع النظير, حيث لم تتفق أي أمة في العالم على فنان واحد, و لم تجتمع أمة لسماع فنان واحد مثلما اجتمعت أمتنا العربية على سماع أم كلثوم, و كان الخميس الأول من كل شهر موعد حفلتها الشهرية, هو موعد تجمع العرب حول أجهزة الراديو لسماع صوتها الذي كان ينطلق في كل شارع عربي من المحيط إلى الخليج.
في ذكراها الثانية و الثلاثين, التي توافق الثالث من فبراير, لن نتحدث عن أم كلثوم, الفنانة التي سحرت الجميع بصوتها, و التي لم يعرف الحب طريقه إلى قلب أحد فينا إلا و هام في كلماتها, حتى هؤلاء الذين لا يعرفون العربية كان صوت أم كلثوم بالنسبة لهم ينبوع من الرومانسية الدافئة التي تنساب برقة شديدة إلى قلوبهم, و هو الأمر الذي أدى بالرئيس الفرنسي شارل ديجول محرر فرنسا أن يرسل رسالة إلى أم كلثوم بعد إحدى حفلاتها في باريس قائلا "لقد لمست بصوتك أحاسيس قلبي و قلوب الفرنسيين جميعا".
أم كلثوم الأخرى, هي تلك الفلاحة الصغيرة الفقيرة التي أتت من الريف إلى القاهرة, و احتفظت بحبها لتراب هذا الوطن, و لم تبهرها أضواء الشهرة, فرأى جمال عبد الناصر وقت أن كان محاصرا في الفالوجا أن أم كلثوم فلاحة مصرية و ستشعر بهم في حصارهم كما يشعرون بها, في رده على أحد زملائه الضباط الذين رأوا أن أم كلثوم لن تلبي لهم طلبهم في أن تغني لهم أغنية "غلبت أصالح في روحي" عبر الإذاعة و تتجاهل طلبات الوزراء و الأمراء, إلا أن عبد الناصر كان له رأي آخر و بالفعل أرسلوا إشارة لاسلكية من حصارهم و غنت لهم كوكب الشرق الأغنية التي طلبوها برغم أن إحدى الأميرات المصريات كان لها طلب آخر, إلا أن الفلاحة المصرية لم تستطع رفض طلب من أبناء وطنها المحاصرون في فلسطين.
و عقب عودتهم من فلسطين, كان اللقاء الأول بين الضابط جمال عبد الناصر و أم كلثوم, حيث طلب الضباط المصريون بعد عودتهم من فلسطين الالتقاء بأم كلثوم, و مرة أخرى لم تستطع الفلاحة المصرية أم كلثوم أن ترفض لهم طلبا, و برغم أنها لم تكن معتادة على إقامة حفلات في بيتها إلا أنها أقامت لهم حفلة نزولا على رغبة الأبطال العائدين.
و يشاء القدر أن يقود هؤلاء الضباط الصغار واحدة من أعظم الثورات في تاريخ مصر في 23 يوليو 1952, و يندفع بعض ضباط الجيل الثاني في الثورة في اتخاذ بعض القرارات و منها قرار منع أغاني أم كلثوم من الإذاعة باعتبارها من العهد البائد !!!, و ما أن وصلت شكواها إلى الرئيس عبد الناصر حتى أمر على الفور بإعادة إذاعة أغاني أم كلثوم, و توبيخ هؤلاء المراهقين سياسيا الذين اتخذوا القرار مطالبا إياهم بهدم أبو الهول و الهرم و ردم النيل باعتبارهم من العهد البائد أيضا.
تفاعلت أم كلثوم مع الثورة فور اندلاعها, و عاد صوت أم كلثوم إلى الإذاعة, و شدت أم كلثوم "مصر التي في خاطري و في فمي .. أحبها من كل روحي و دمي", و منذ ذلك الحين وجهت أم كلثوم فنها خدمة لقضاياها وطنها الصغير في مصر و وطنها الكبير من المحيط إلى الخليج, و يذكر لها أنها أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 56 صممت على تسجيل أغنية "و الله زمان يا سلاحي" في الأستوديو برغم خطورة الوضع و تعرض حياتها للخطر, و هي الأغنية التي تحولت إلى نشيدا قوميا ثم إلى السلام الوطني في عصر الزعيم عبد الناصر, و بعد انسحاب المعتدين تبرعت بمبلغ عشرة آلاف جنيه لتعمير بورسعيد.
و هكذا لم تمر معركة سياسية أو عسكرية تخوضها مصر إلا و كان صوت أم كلثوم شاحذا للهمم, و محمسا للملايين من أبناء وطننا العربي, حتى بعد النكسة, لم تتخلى سيدة الغناء العربي عن وطنها و أبناء شعبها, فانطلق صوتها يعلن للجميع "راجعين بقوة السلاح" و "إنا فدائيون نغني و لا نموت" و غيرها من الأغاني التي كان لها كبير الأثر في حالة الرفض الشعبي للنكسة و التصميم على الصمود.
وجهت أم كلثوم إيرادات حفلاتها للمجهود الحربي, أقامت الحفلات في العديد من الدول تدعيما لإعادة بناء الجيش المصري و لحرب الاستنزاف, و منحها الرئيس عبد الناصر جواز سفر دبلوماسي باعتبارها سفيرة من الدرجة الأولى, فكانت الفنانة الوحيدة في العالم الذي نالته, و استقبلتها كل الدول استقبال الملوك و الرؤساء, فكان صوتها هو صوت مصر المقاومة الثائرة الصامدة, و هي التي أنشدت على لسان مصر "وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبني قواعد المجد وحدي", و "أنا إن قدر الإله مماتي لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي".
كان تنحي الرئيس عبد الناصر بعد النكسة و تحمله المسئولية كاملة, حدثا لم و لن يتكرر في وطننا العربي, و حدث هز مشاعر الملايين من أبناء شعبنا العربي الذين خرجوا في مظاهرات في كل العواصم العربية مطالبين الرئيس عبد الناصر بالبقاء, و شدت أم كلثوم بلسان ملايين العرب "إبقى فأنت الأمل الباقي لغد الشعب .. إبقى فأنت حبيب الشعب".
و بعد وفاة الرئيس عبد الناصر في سبتمبر 1970 كانت بداية النهاية لسيدة الغناء العربي, فالزمن القادم ليس زمنها, بعد أربعة شهور من وفاته صعدت أم كلثوم على خشبة المسرح مرة أخرى تشدو برائعتها "ودارت الأيام", و قبل انتهاء الأغنية في الكوبلية الأخير أجهشت "الست" بالبكاء, بعد أن تذكرت الرئيس عبد الناصر, بعدها احتفلت أم كلثوم بالعبور العظيم الذي بذل فيه أبناء مصر من عمال و فلاحين و طلاب دمائهم في سبيل الوطن, و كان الانتصار العسكري الذي أعقبه استسلام سياسي مخزي, و بدأ زمن الهزائم و لم تتعود أم كلثوم سوى على زمن الانتصارات, فغادرت عالمنا في 3 فبراير 1975.
و بعد 32 عاما من رحيلها اختلف العرب على كل شئ إلا صوتها, اختلف العرب حتى على القضية, و على المبادئ, و على الحدود, و على الزعامة, اختلفوا على فلسطين و العراق و لبنان, و اتفقوا جميعا على صوتها الذي ما أن يعلو في أي مكان حتى يصمت الجميع, ثم سرعان ما يغيبون في حالة سكر وجداني.

1 comment:

Anonymous said...

كانت ومازالت ام كلثوم الصوت المغرد في افراحنا وانتصاراتنا المواسي باحزاننا وانكساراتنا
ارخت بصوتها لاهم احداثنا الوطنيه
فغدت صوتا في تاريخ هذه الامه

لك الشكر على المقال