Friday, April 13, 2007

المواطنة : الدين لله .. و الوطن للرئيس!!

المواطنة : الدين لله .. و الوطن للرئيس!!
ء* نشر في موقع عشرينات
أحمد بلال

بعد خطاب الرئيس مبارك الذي طرح فيه قضية التعديلات الدستورية، و اقترح خلاله تعديل 34 مادة على رأسها المادة الأولى التي كانت تتحدث على أن مصر دولة تقوم على تحالف قوى الشعب العامل، و اقترح، و من بعده قالوا آمين، ضرورة تعديل هذه المادة للتأكيد على مبدأ "المواطنة".
انطلق "حملة المباخر" في حملة مأجورة، يهللون و يصفقون بل و كادوا أن يرقصون أثناء بيعهم الوهم لجماهير شعبنا في تصريحاتهم عن "العلاج السحري الذي اكتشفه مبارك" لحل جميع مشاكل و هموم الشعب المصري، فتحدثوا و كأن "المواطنة" هي اكتشاف "مباركي" بحت، و أنها ستعمل على تأكيد شعار "الدين لله و الوطن للجميع"، مما يؤكد عدم معرفتهم حتى بمدلول الكلمة, الذي يتجاوز الحيز الديني إلا ما هو أوسع و أرحب، حيث المواطنة من الجانب الاجتماعي و الطبقي و العرقي.
لم يكن خطاب التعديلات الذي ألقاه مبارك نابعا من فكر سياسي متقدم يتحلى به، فتعديل الدستور هو مطلب قديم للعديد من التيارات و القوى السياسية، و برغم ذلك إلا أن الخطاب بالتعديلات المقترحة كان غريبا، فالرئيس مبارك اعتمد في اقتراحاته على مبدأ "العناد"، و التعامل مع الشعب المصري بنخبه السياسية من عليين، و من منطق القائد العسكري الذي يمنح جنوده ما يريد، و لكنهم ليس من حقهم حتى التعبير عما يريدون هم، فبالرغم من نداءات المعارضة بعدم جواز المساس بالمادة (88) المتعلقة بالإشراف القضائي على الانتخابات، إلا أن الجنرال حسني مبارك قد تعمد تعديل المادة التي أجمع كل المصريون على عدم جواز تعديلها، و من ناحية أخرى لم يضمن مبارك المادة (77) المتعلقة بمدد الرئاسة في تعديلاته المقترحة، و ذلك برغم أن كل التيارات السياسية قد أجمعت على ضرورة تعديل تلك المادة، و كأنه يرسل رسالة إلى كل المصريين أن مطالب المعارضة و الشعب المصري لا تعنيه،و أن تلك التعديلات ما هي إلا منحة من الرئيس، و لا يجوز لنا إلا أن نصلي لله شكرا عليها.
منذ البداية لم يبدي الرئيس اهتماما بمطالب الشعب المصري المتعلقة بتعديل الدستور و اكتفى وحده بطرح المواد المطلوب تعديلها، إلا أن حتى هذا التعديل المطروح من طرف واحد لم يعمل إلا على تعزيز سلطة الرئيس بشكل خاص و السلطة التنفيذية بشكل عام.
المادة (74) و التي تتعلق بالقرارات التي من حق رئيس الجمهورية أن يتخذها في الحالات الاستثنائية، تم تعديلها تعديلا شكليا و بصورة قد تحدث أزمة دستورية، فالمادة كانت تتحدث على أن لرئيس الجمهورية الحق في أن يتخذ ماشاء من قرارات "إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة"، أما التعديل، فكان تعديلا هامشيا مطاطا، حيث وصف الخطر بأنه خطر "حالي و جسيم"، و هي كلمات مطاطة من المستحيل تحديدها، بل أن الوحيد الذي يملك تحديد إذا ما كان هذا الخطر "جسيم" أم لا هو رئيس الجمهورية الذي سيتخذ القرارات!!.
و إذا كان هواة تجميل كل ما هو قبيح يقولون أن التعديل يقر بأن الرئيس سيتخذ تلك القرارات بعد "أخذ رأي رئيس مجلس الوزراء ورئيسي مجلسي الشعب والشوري"، إلا أن الواقع يقول أن المشاورة هنا غير إلزامية، حيث أنها فقط لمجرد المشورة!!، و في نهاية المادة يقع ترزية الدستور في خطأ "جسيم"، حيث تقول المادة أن رئيس الجمهورية "يجري الاستفتاء علي ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوما من اتخاذها‏"، و لنا أن نتسائل هنا، ماذا إذا كان الخطر مازال موجودا خلال و بعد فترة الستين يوما المحددة ؟!، ثم ماذا سيحدث إذا رفض الشعب تلك القرارات في الاستفتاء ؟!، و إذا رفضها الشعب فمن الذي سيتحمل مسئولية تلك القرارات و من الذي سيحاسب الرئيس على اتخاذها ؟!.
المادة (141) أكدت أن رئيس الجمهورية هو الذي يعين رئيس مجلس الوزراء ويعفيه من منصبه ويكون تعيين نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء ونوابهم وإعفاؤهم من مناصبهم بقرار من رئيس الجمهورية، و استحدثت المادة أن هذا التعيين يتم "بعد أخذ رأي رئيس مجلس الوزراء"‏، المعين أيضا بقرار من رئيس الجمهورية، و برغم ذلك فإن المادة تتحدث عن مجرد "أخذ رأي" دون أي إلزام !!.
‏و من أخطر المواد التي شملها التعديل كانت المادة "179" و التي تتعلق بـ"مكافحة الإرهاب"!، و التي أعطت الحق لرئيس الجمهورية "أن يحيل أية جريمة من جرائم الإرهاب إلي أية جهة قضاء منصوص عليها في الدستور أو القانون‏"، و لما كان الإرهاب كلمة مطاطة أيضا ليس لها أي تعريف، فإنه من حق رئيس الجمهورية أن يحيل أي مواطن إلى المحاكمة العسكرية، على اعتبار أنه "إرهابي"!!.
‏ثم نأتي إلى الحصن الحصين، المادة الدستورية التي دخلت موسوعة جينيس للأرقام القياسية على اعتبار أنها أطول مادة في دساتير العالم، المادة (76)، تلك المادة التي وضعت من الشروط ما يكفي لضمان ألا تخرج الرئاسة ليس فقط من الحزب الوطني الحاكم و إنما من وجهة نظري ما يكفي لضمان عدم خروج الرئاسة من الأسرة الحاكمة، حيث اشترطت لمن يتقدم للرئاسة أن يحظى بتأييد "مائتان وخمسون عضواً على الأقل من الأعضاء المنتخبين بمجلسي الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية للمحافظات، على ألا يقل عدد المؤيدين عن خمسة وستين من أعضاء مجلس الشعب ، وخمسة وعشرين من أعضاء مجلس الشورى، وعشرة أعضاء من كل مجلس شعبي محلي للمحافظة من أربع عشرة محافظة على الأقل، ويزاد عدد المؤيدين للترشيح من أعضاء كل من مجلسي الشعب والشورى ومن أعضاء المجالس الشعبية المحلية للمحافظات بما يعادل نسبة ما يطرأ من زيادة على عدد أعضاء أي من هذه المجالس، وفي جميع الأحوال لا يجوز أن يكون التأييد لأكثر من مرشح"!.
أما الأحزاب السياسية فقد اشترط التعديل على ضرورة أن يكون قد "مضي علي تأسيسها خمسة أعوام متصلة علي الأقل قبل إعلان فتح باب الترشيح‏،‏ واستمرت طوال هذه المدة في ممارسة نشاطها مع حصول أعضائها في آخر انتخابات علي نسبة‏(3%)‏ علي الأقل من مجموع مقاعد المنتخبين في مجلسي الشعب والشوري‏،‏ أو ما يساوي هذا المجموع من أحد المجلسين‏،‏ أن ترشح لرئاسة الجمهورية أحد أعضاء هيئتها العليا وفقا لنظامها الأساسي متي مضت علي عضويته في هذه الهيئة سنة متصلة علي الأقل‏"!.
واستثناء من حكم الفقرة السابقة، و حتى تكتمل المسرحية‏ تؤكد المادة على أنه "يجوز للأحزاب السياسية المشار إليها، التي حصل أعضاؤها بالانتخاب علي مقعد علي الأقل في أي من مجلسي الشعب أو الشوري في آخر انتخابات‏، أن يرشح في أي انتخابات رئاسية تجري خلال عشر سنوات اعتبارا من أول مايو‏2006،‏ أحد أعضاء هيئته العليا وفقا لنظامه الأساسي متي مضت علي عضويته في هذه الهيئة سنة متصلة علي الأقل"!.
و برغم كل الصلاحيات التي يمنحها الدستور لرئيس الجمهورية، إلا أن الجهة الوحيدة التي تملك محاسبته هي مجلس الشعب، و حتى تلك المحاسبة تم النص عليها بطريقة تجعل من المستحيل تفعيلها، و برغم ذلك منح الدستور رئيس الجمهورية الحق في حل المجلس!!، و إذا كان النص السابق من المادة (136) التي تتحدث على حق الرئيس في حل المجلس ينص على أن الحل لا يتم إلا بعد استفتاء الشعب، و الذي يجب أن تكون موافقته بالأغلبية المطلقة، فإن النص الحالي اكتفى بأن يأخذ رئيس الجمهورية رأي رئيس مجلس الوزراء المعين من قبل رئيس الجمهورية أيضا، و مرة أخرى نقول أن "أخذ الرأي" هو مجرد استشارة و لكنه غير ملزم!!!.
"المواطنة" التي سعت التعديلات الدستورية إلى "تأكيدها"، يبدو أنها مازالت بعيدة المنال في مجتمعنا, فالدستور، و الذي يعتبر بمثابة عقد اجتماعي بين الحاكم و المحكوم، و الكل في الوطن شركاء في هذا العقد، استأثر رئيس الجمهورية بوضع تصور تعديله، بل لنقل وضع تعديلاته, التي لم تأتي بجديد سوى تعزيز سلطاته، و كأنه هو الوحيد الذي يتمتع بحق "المواطنة" في هذا الوطن، و إذا كانوا أهملوا الجانب الاجتماعي و الطبقي و العرقي في حق "المواطنة"، و اختذلوها فقط في الجانب الديني على أساس أن "الدين لله و الوطن للجميع"، إلا أن ما حدث في مسرحية "التعديلات الدستورية" قد أكد بما لا يدع مجالا للشك أن المواطنة في عرف النظام الحالي لا تعني سوى شعارا واحدا فقط .. "الدين لله و الوطن للرئيس"!!.

No comments: