Sunday, April 29, 2007

مليون حاج يصلون سنويا إلى "مكة الأفريقية"


كتب: أحمد بلال

جسم نحيل يرتدي عباءة بيضاء, و وجه ملامحه أفريقية سوداء مغطى جزء منه بشال أبيض, تلك هي الصورة التي ستقابلك في كل مكان في السنغال, المواصلات العامة, المتاجر و الشوارع, إلخ .., الرجل هو "أحمدو بامبا" مؤسس الطريقة الصوفية السنغالية التي تعرف باسم "المريدية".
و الصوفية جزءا أساسيا في ثقافة الشعب السنغالي, و هناك ثلاث طرق مشهورة في السنغال, الطريقة "القادرية", و برغم أنها هي الأقدم إلا أنها الأقل إتباعا, الطريقة "التجانية ", و هي طريقة صوفية تأسست في الجزائر, و انتشرت في معظم دول غرب أفريقيا, و الطريقة "المريدية", و هي أكثر الطرق انتشارا في السنغال, بل أن انتشارها وصل إلى دول أخرى, و هي الطريقة الوحيدة في السنغال التي تأسست على يد شخصية سنغالية.
محمد بن محمد بن حبيب الله, أو "أحمدو بامبا" كما يطلق عليه "المريدون", أو "خادم الرسول" كما كان يحب أن يطلق على نفسه, ولد سنة 1855 في قرية "مباكي باول", عمل بالتعليم, و ألف العديد من الكتب في مجالات مختلفة مثل الفقة, التربية و علوم اللغة, بدأ الشيخ في الدعوة لطريقته في بداية القرن الرابع عشر الهجري, و لقيت دعوته استجابة واسعة من العديد من القبائل في السنغال, الأمر الذي أثار تخوف الاستعمار الفرنسي من اتساع رقة نفوذ الشيخ "أحمدو بامبا", فنفاه الفرنسيون إلى الجابون, ليعود "بامبا" بعد سبع سنوات, و لكن سرعان ما يتم نفيه مرة أخرى بعد استئناف نشاطه, حيث قام 150 عسكريا بالهجوم على مقره و اعتقاله, ثم نفيه إلى موريتانيا.
و قد نسج أتباع الشيخ الكثير من القصص الخيالية التي تتحدث عن كراماته و الخوارق التي قام بها, في محاولة لمجاراة الطرق الصوفية الأخرى التي تعتمد على "كرامات" شيوخها في الانتشار, و ذلك بالرغم من أنه تراث "أحمدو بامبا" المكتوب لم يتحدث مطلقا عن تلك الكرامات, و قد يكون السبب في ذلك أن "بامبا" كتب كل مؤلفاته باللغة العربية في مجتمع بتحدث الفرنسية.
الطريقة الصوفية التي أسسها "أحمدو بامبا" و أطلق عليها "المريدية", عبارة عن مجموعة من الشعائر الدينية و قواعد سلوكية مستمدة من الصوفية, و تتلخص في ثلاث مسارات, الكسب, و هو كسب الرزق اليومي, المجاهدة, و هي مجاهدة النفس, و الخدمة و هي خدمة أهل الشريعة.
و ينتشر أتباع هذه الطريقة في كافة مجالات الحياة في السنغال, و منتظمين في جمعيات اجتماعية و في الأحزاب السياسية, بل أن الرئيس السنغالي الذي تم انتخابه مؤخرا "عبد الله واد" ينتسب لهذه الطريقة, و لكن تبقى التجارة هي المجال الأكبر الذي يشتغل به معظم "المريدون".
و قد تعزز الدور الاجتماعي لهذه الطريقة نتيجة الأعمال المشتركة التي يقوم بها "المريدون" بين بعضهم البعض, بشكل يوحي إليك أن "المريدية" ليست طريقة صوفية بقدر ما هي إحدى منظمات المجتمع المدني, حيث تساعد الشباب غير القادر على الزواج, و يعالجون غير القادرين, و يقومون بالصلح بين الناس, حيث يتدخل الشيخ لفض النزاع, و تكون أحكامه نافذة عن أي قرار يصدر من أي محكمة, بالإضافة إلى البنوك غير الرسمية التي تديرها "المريدية" بأسلوب خاص, يثق فيها المواطنون ثقة لا تتوافر حتى للبنوك الرسمية.
و تأكيدا على هذا الدور الاجتماعي الذي يقوم به أتباع الطريقة "المريدية" في السنغال, أعلن الخليفة الحالي للطريقة, ساليو مباكي, و هو آخر أبناء "أحمدو بامبا", في 2 مارس 2006, أنه سيقوم بتعبيد 2000 كلم من الطرقات لتسهيل حركة المرور داخل مدينة "توبة", و أعلن أنه خصص 10 مليار فرنك أفريقي لبناء عدد من ا لمشاريع بالتنسيق مع الدولة, مع التأكيد على أن مدينة "توبة" لن تبنى إلا بالإمكانيات التي يوفرها "المريدون" دون سواهم.
و مدينة "توبة", حاضرة "المريدية", هي المدينة التي أسسها "أحمدو بامبا" لتكون مركزا لدعوته, و تحولت بعد وفاته إلى ما يشبه المدينة المقدسة, و ازدهرت على يد خلفائه حتى أصبحت تضاهي العاصمة داكار, تحولت إلى أحد أهم المراكز الاقتصادية في السنغال, بل أن بنيتها التحتية هي الأهم بعد العاصمة داكار, و ازداد عدد سكانها حتى بلغ حاليا نصف مليون مواطن.
و يتوافد على "توبة" التي يصفها البعض بأنها "مكة الأفريقية", مئات الآلاف سنويا من "المريدين" من مختلف مناطق السنغال, و الدول المجاورة, إحياء لذكرى عودة "أحمدو بامبا" من منفاه, و تؤكد آخر الإحصائيات أن عدد الحجاج الذين وصلوا إلى "مكة الأفريقية" هذا العام بلغ مليون حاج.
و برغم أن الطرق الصوفية تشتهر بإقامة احتفال سنوي في ذكرى مولد شيخها, إلا أن "المريدية" حافظت على تفردها بإقامة هذا الاحتفال الذي يسمى بـ "مجل توبة" أو "الحج العظيم" بلغة الولوف السنغالية, في ذكرى عودة شيخها من منفاه و ليس ميلاده, و هو ما يحمل دلالات سياسية واضحة, حيث عرف عن "أحمدو بامبا" معاداته الشديدة للاستعمار الفرنسي".

No comments: