Tuesday, April 17, 2007

ناجي العلي .. كان صاحبي يامه

ء* نشر بموقع عشرينات

كتب : أحمد بلال

محمود الجندي : هي الجيوش العربية مش هتيجي !؟
نور الشريف : الجيوش العربية مش فاضية
محمود الجندي : ليه .. هي بتحارب في حتة تانية !!!؟
كان ذلك أحد مشاهد فيلم "ناجي العلي" .. و الذي يبدأ أثناء تعرض إحدى المناطق اللبنانية للقصف الإسرائيلي في حرب لبنان الأولى، و أثناء القصف يخرج نور الشريف ( ناجي العلي ) مسرعا من أحد المخابئ لإحضار "الداية" لتوليد إحدى السيدات في المخبأ، و يفاجأ بمحمود الجندي ( مواطن ) يسير سكرانا و ممسكا بزجاجه من الخمر في يده، و يدور بينهما الحوار السابق، و بعد كل هذه السنين بين حرب لبنان الأولى و الثانية، لا يوجد جواب لسؤال المواطن "هي الجيوش العربية مش هتيجي !؟ إلا جواب نور الشريف أو ناجي العلي "الجيوش العربية مش فاضية".
"ناجي العلي" .. الذي مرت على محاولة الاغتيال التي أدت إلى وفاته 19 عاما، لم يكن فنانا عاديا، كان يرسم و لكن فقط للوطن، لم يعرف يوما خطوطا حمراء و كان ذلك سبب اغتياله، كان الخط الأحمر الوحيد في حياته هو أنه "ليس من حق أكبر رأس أن يوقع وثيقة اعتراف و استسلام لإسرائيل" كما قال حرفيا، سافر إلى العديد و العديد من البلدان إلا وطنه، حمل همومنا معه أينما رحل، كان دائما يعبر عنا، كانت رسومات ناجي العلي هي لسان حال الفقراء و المطحونين و المضطهدين في وطننا العربي من المحيط إلى الخليج فيقول "أنا شخصيا منحاز لطبقتي، منحاز للفقراء، وأنا لا أغالط روحي ولا أتملق أحدا .. القضية واضحة ولا تحتمل الاجتهاد، الفقراء هم الذين يموتون، وهم الذين يسجنون، وهم الذين يعانون المعاناة الحقيقية"، هذه بعض ملامح شخصية "الإنسان العربي" كما كان ناجي العلي يعرف نفسه، و لكن ترى من هو ناجي العلي ؟

اسمه بالكامل "ناجي سليم حسين العلي" ولد في قرية الشجرة بفلسطين( بين طبريا و الناصرة ) عام 1936، لم يتنفس نسيم فلسطين إلا عشر سنوات فقط، حيث كانت أسرته من بين العرب الذين هجرتهم العصابات الصهيونية من فلسطين عام النكبة في 1948، و منذ ذلك التاريخ لم يعرف ناجي العلي معنى لكلمة الاستقرار أبدا، فبعد أن مكث مع أسرته في مخيم "عين الحلوة" بلبنان، وتعلم في مدرسة "اتحاد الكنائس المسيحية" حتى الابتدائية حيث كانت ظروف أسرته المادية لا تسمح له باستكمال تعليمه، عمل بعدها عاملا بسيطا في البساتين، ثم رحل إلى طرابلس ليتعلم مهنة أخرى، فالتحق بمدرسة مهنية هناك وتعلم الميكانيكا، ومنها سافر للسعودية ليعمل ميكانيكيا لمدة عامين، و لما كان الرسم هو حياة ناجي .. فقد عاد مرة أخرى إلى بيروت للدراسة في أكاديمية لتعليم الرسم، لكنه لم يمكث بها أكثر من شهر بسبب ملاحقة الشرطة له بعد التحاقه بحركة القوميين العرب.
"ارسم .. لكن دائما عن الوطن" .. كانت تلك كلمات "أبو ماهر اليماني" الذي كان يدرس الرسم لناجي في مدرسته الابتدائية، و كانت وصية طبقها ناجي بحذافيرها، فلم يرسم لنا ناجي إلا عن الوطن، كان ناجي يرسم لوحاته و يعلقها على جدران المخيم، و في أحد الأيام كان الشهيد غسان كنفاني في جولة في مخيم عين الحلوة، و لاحظ رسومات ناجي على جدران المخيم فبهرته، و أخذ منها ثلاث لوحات و نشرها، و كانت ذلك بداية الظهور الإعلامي للفنان ناجي العلي، و كانت أول لوحات ناجي هي "الحرية" .. و هي عبارة عن خيمة تعلو قمتها يد مصممة على التحرير.
في عام 1963 انتقل ناجي إلى الكويت، ليعمل رساما في صحيفة الطليعة الكويتية التي كانت لسان حال حركة القوميين العرب آنذاك، و منها انتقل ناجي للعمل في عدة صحف أخرى كالسياسة الكويتية، السفير اللبنانية، القبس الكويتية و جريدة القبس الدولية التي قضى فترة عمله فيها في لندن من عام 1985 و حتى 1987، بعد أن قامت بعض الأنظمة العربية بالضغط على الحكومة الكويتية لإبعاد ناجي من الأراضي الكويتية .. رسومات ناجي العلي جعلت من الأوطان سجنا لهؤلاء الحكام، فقرروا الضغط على ناجي بإبعاده عن الوطن، و هم لا يعرفون أن ناجي يحمل وطنه معه أينما ذهب، و حريته لم يفقدها طالما بقيت معه ريشته.
حنظلة .. الرمز الذي استخدمه ناجي العلي في كل رسوماته، الوحيد الذي ولد و عمره 10 سنوات، و الوحيد الذي ولد ليبقى، يقول عنه ناجي "أسميته حنظلة كرمز للمرارة، في البداية قدمته كطفل فلسطيني، لكنه مع تطور وعيه ، أصبح له أفق قومي ثم أفق كوني إنساني"، عمره عشر سنوات، و هو نفس عمر ناجي عند تهجيره من فلسطين، ستجده في كل لوحات ناجي واقفا بملابس بالية حافي القدمين، استخدمه ناجي في البداية كمقاتل و شاعر في لوحاته، و بعد عام 1973 حين بدأ يلوح في الأفق أن هناك تطبيعا و أن العلم الصهيوني سيرتفع فوق سماء عاصمة عربية أخرى هي القاهرة، ليس بقوة السلاح، و إنما وسط تهليل و تصفيق من حكامها، عندما أحس ناجي بهذه الكارثة أدار حنظلة ظهره لنا جميعا، ليخفي دمعة ولدت في عينيه، على الوطن الذي يفرط فيه حكامه.
في يوم الأربعاء 22 يوليو1987، و في لندن عاصمة الضباب، حمل ناجي رسومه كالعادة متجها إلي مكان عمله في شارع ايفز وسط لندن حيث جريدة "القبس الدولية"، كان هناك أيضا من هو مهتم بأن يذهب ناجي إلى عمله في ذلك اليوم، بل كان اهتمامه أكبر من اهتمام ناجي نفسه بالذهاب إلى العمل، و في حوالي الساعة الخامسة و الربع عصرا انطلقت رصاصة غادرة من مسدس كاتم للصوت، نقل على أثرها ناجي إلى المستشفى غارقا في دمائه و غيبوبة استمرت حتى لفظ أنفاسه الأخيرة في 29 أغسطس 1987، كانت وصيته أن يدفن في تراب وطنه الذي حرم منه، إلا أن الحكومة البريطانية رفضت عودة الجثمان.
واجهوا الريشة بالرصاص، فكانوا في أسفل السافلين و كان هو "العلي"، قتلوه أولا بالرصاص و ثانيا عندما تم تفجير تمثاله في مدخل عين الحلوة، و يصور ناجي حاملاً رسومه في يده اليسرى، و ذراعه اليمنى على هيئة قبضة قوية، و الغريب أن هذا التمثال قد اختفى و لم يعرف مكانه حتى الآن!!!، و اغتالوه ثالثا عندما منعوا عرض الفيلم الذي يحكي قصة حياته و قام ببطولته نور الشريف و محمود الجندي و أخرجه عاطف الطيب، بل منعوا تصويره في مصر و اتهموا نور الشريف بالخيانة العظمى لتجسيده شخصية ناجي العلي !!!.
إلى ناجي العلي الفنان و الشهيد و الصديق الذي لم أراه .. بهذه الكلمات أهدى الشاعر عبد الرحمن الأبنودي قصيدته الموت على الأسفلت لروح الشهيد ناجي العلي و التي بدأها قائلا "أمّاية ... وانتي بترحي بالرحى .. علي مفارق ضحي .. وحدك وبتعددي علي كل حاجة حلوة مفقودة ... ماتنسينيش يامّه في عدودة .. عدودة من أقدم خيوط سودا في توب الحزن ... لا تولولي فيها ولا تهللي .. وحطي فيها اسم واحد مات، كان صاحبي يامّه .. واسمه ناجي العلي"

1 comment:

husam shady said...

جميل البوست جداً