Tuesday, April 17, 2007

رحيل مهندس العلاقات الاستخباراتية الإسرائيلية- الأمريكية

ء* نشر بجريدة الأهالي
أحمد بلال

أعطت الصحف الإسرائيلية اهتماما بالغا لرحيل رئيس بلدية القدس الأسبق "تيدي كولك", الذي توفي يوم الثلاثاء 2 يناير عن عمر يناهز 95 عاما, المعروف عن "كولك" أنه ولد في فيينا عام 1911, و هاجر إلى فلسطين في 1934, و مع إعلان قيام "إسرائيل" عمل مندوبا للكيان الجديد في واشنطن, ثم عين مديرا لمكتب رئيس الوزراء آنذاك ديفيد بن جوريون, و في عام 1965 تم انتخابه رئيسا لبلدية القدس, و شغل هذا المنصب لمدة 28 عاما حتى عام 1993.
موقع "دبكا" المقرب من الموساد الإسرائيلي تناول موت "كولك" بشكل مختلف, حيث نشر تقريرا بعنوان "تيدي كولك الآخر .. أكبر شخصية استخباراتية في القرن العشرين", مؤكدا أن "كولك" هو الذي بنى تلك العلاقات الاستخباراتية القوية بين الولايات المتحدة و إسرائيل.
يبدأ تقرير "دبكا" من عام 1943 عندما دخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الثانية و اجتياحها للأراضي الإيطالية, "وصل "تيدي كولك" إلى إيطاليا مع اللواء اليهودي, الذي قدمته الوكالة اليهودية بعد عام واحد فقط من ذلك في 1944, و هناك إلتقى بضابط مخابرات أمريكي اسمه "جيمس أنجلتون", الذي كان حينئذ رئيس وحدة الاستخبارات الأمريكية في الجبهة الإيطالية".
كانت تلك هي بداية العلاقة بين "كولك" و المخابرات الأمريكية ممثلة في "أنجلتون", و توطدت العلاقة بينهما خاصة بعد أن أخبره "كولك" عن طبيعة المهمة المكلف بها في الحرب و كانت كالتالي "رجال الوكالة اليهودية الموجودون في إيطاليا سيتقدمون مع القوات الأمريكية لوسط أوربا المحتلة من النازي, ليعملون على إنقاذ اليهود من معسكرات الإعدام و تهجيرهم إلى أرض إسرائيل".
و بالفعل سهلت المخابرات الأمريكية المهمة لـ "كولك" فكانت "السيارات العسكرية التابعة للجيش البريطاني يقودها سائقين يهود من أرض إسرائيل, و منحت لهم صلاحيات غير محدودة في الحركة و كانوا يعبرون بمساعدتهم إلى حيث يوجد يهود أوربا الباقين على قيد الحياة, و يرسلونهم إلى الموانئ في إيطاليا, و من هناك يذهبون إلى إسرائيل عن طريق البحر", كما يؤكد التقرير.
و في مقابل هذه المساعده اقترح "تيدي" على "أنجلتون" اقتراحا لم يستطيع ضابط المخابرات الأمريكي رفضه, و هو أن "جهاز مخابرات الوكالة اليهودية, التي كان "تيدي" أحد رؤسائه, لن يكتفي فقط بتزويد الأمريكيين بأي معلومة تقع بين يديه عن شبكات الجاسوسية التابعة للاتحاد السوفيتي الشيوعي في أوربا و الشرق الأوسط, و إنما سيخترق تلك الشبكات و سيستمر في العمل بداخلها و ينقل المعلومات الاستخباراتية مباشرة إلى واشنطن, من مقر سيقام خصيصا لذلك في تل أبيب".
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في 1946 عاد "جيمس أنجلتون" إلى الولايات المتحدة, و عاد "تيدي كولك" إلى القدس, و لكن العلاقة بينهما لم تنقطع, بل تم تعميقها من جانب "تيدي",
حيث استلم بعد عودته هو و "راؤبن شيلوح" و "إيهود أبريئيل", طلبا من رئيس الوكالة اليهودية آنذاك ديفيد بن جوريون, للاستمرار في فتح علاقات استخباراتية بين الولايات المتحدة و المجلس اليهودي في أرض إسرائيل.
و يؤكد تقرير "دبكا" أن "تيدي" كان "رجل, أو بمعنى أدق دينامو العملية, لأنه كان له دور خاص و حاسم بذلك الاتصال الخاص الذي أقامه بين أكبر و أقوى و أغنى دولة في العالم, و بين الدولة اليهودية التي أقيمت للتو في 1948, و لا يزيد عدد سكانها عن 650 ألف رجل".
و عن دور الموساد الإسرائيلي و تيدي كولك تحديدا في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي يذكر التقرير ""تيدي كولك" شخصيا هو الذي أدخل "جيمس أنجلتون" و الأمريكيين إلى عالم الجاسوسية الروسي, و كشف عن شبكات الجاسوسية الروسية الخطيرة العاملة في فترة الخمسينات و الستينات في ذروة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي, داخل الولايات المتحدة و أوربا و الشرق الأوسط, و أكتفي بأن نذكر هنا أن "تيدي كولك" كان الرجل الذي كشف للأمريكيين الجاسوس البريطاني المعروف كيم فيلبي, الذي كان يتجسس لصالح روسيا, "تيدي" أيضا كان هذا الذي كشف للأمريكيين شبكة الاستخبارات الروسية المركزية في أوربا و الشرق الأوسط و المعروفة باسم "شبكة أكسفورد".
و يضيف التقرير ""تيدي كولك" هو الذي كشف أيضا "إسرائيل بير" الجاسوس الروسي الذي زرعته المخابرات السوفيتية بالقرب من ديفيد بن جوريون, كانت فكرته المتألقة هي تحويل المجتمعات اليهودية في شرق أوربا و الواقعة تحت سلطة الإمبراطورية الشيوعية إلى قواعد استخباراتية تزود تل أبيب بمعلومات, و من تل أبيب إلى واشنطن, عما يحدث في العالم الشيوعي, و كان ذلك الاختراق الاستخباراتي الكبير للكتلة السوفيتية".
و هكذا خرج علينا موقع "دبكا" بذلك التقرير, الذي حول "تيدي كولك" من مجرد أشهر رئيس بلدية للقدس, إلى أكبر رجل استخبارات في القرن العشرين كما يقول التقرير, حيث أن "تيدي" لم يكن يتحدث أبدا عن عملياته الاستخباراتية السرية, و لم يذكرها إطلاقا في الكتب الكثيرة التي كتبها.

No comments: