Tuesday, April 17, 2007

حسين عبد الرازق : دفعنا ثمن إنتفاضة يناير غاليا

ء* نشر بموقع عشرينات

أحمد بلال

الإرتباط بين إنتفاضة يناير 77 و قوى اليسار المصري هو أحد المسلمات في تاريخ الحركة الوطنية المصرية, فالمد اليساري الماركسي - الناصري الذي اشتد مع بداية عصر السادات, و تمثل في الإضرابات العمالية و الطلابية, هو الذي حرث الأرض لتلك الإنتفاضة, التي تلونت شعاراتها كلها بلون اليسار المصري, و قادها في طول البلاد و عرضها كوادر اليسار المصري, و كان كل المتهمين فيها من أبناء اليسار المصري, و على الجانب الآخر ذلك الهجوم العنيف الذي شنه السادات على التنظيمات اليسارية كحزب التجمع و التنظيمات الشيوعية السرية بالإضافة إلى الناصريين الذين أسماهم السادات "مدعي الناصرية, على إعتبار أن النظام كان يعتبر نفسه إمتدادا لتجربة الزعيم جمال عبد الناصر.
حزب التجمع, و بالرغم من أنه لم يكن قد مر أكثر من شهرين على تأسيسه, إلا كان أكثر القوى التي لاقت هجوما من السادات, للدور الذي قامت به كوادره في الإنتفاضة بالإضافة إلى أنه كان الحزب العلني الوحيد لليسار المصري في ذلك الوقت, فكان الرئيس المقتول أنور السادات بالإضافة إلى بقية رؤوس النظام يتهمون حزب التجمع بشكل صريح في خطبهم و بياناتهم بالتخطيط لتلك الإنتفاضة, و إتهموا قياداته و أعضائه بأنهم مجموعة من العملاء, الخونة, الملحدين, على حد تعبيرهم, و لذلك كان الحوار التالي مع الأستاذ حسين عبد الرازق الأمين العام لحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي.

هل كان إرتفاع أسعار السلع الرئيسية هي السبب الوحيد لاندلاع إنتفاضة الخبز في 77 ؟

في الجلسة المسائية لمجلس الشعب في 17 يناير 77 أدلى نائب رئيس الوزراء للشئون المالية و الإقتصادية, وزير المالية و وزير التخطيط ببيانات و عرضوا موازنة الدولة لعام 1977 (السنة المالية وقتها كانت تبدأ في يناير و تنتهي في ديسمبر), و تضمنت الموازنة رفع أسعار بعض السلع الأساسية و تخفيض الدعم على بعض السلع و منها المواد الغذائية و الملابس.
كان الأمر مفاجأة كبيرة لكل الشعب المصري حيث أن الحكومة بدءا من الرئيس السادات إلى ممدوح سالم و عدد من الوزراء كانوا يصرحون من منتصف ديسمبر 76 و حتى منتصف يناير 77 بوعود بعدم إرتفاع الأسعار و تثبيتها, ثم فوجئ الناس بإرتفاع الأسعار في 18 يناير صباحا, فكان ذلك السبب المباشر للإنتفاضة, حيث إندلعت المظاهرات التلقائية في وقت واحد و بدون أي ترتيبات في كل أنحاء مصر, و إنطلقت شرارتها من المصانع و الجامعات, و لم يكن هناك أي أعمال تخريبية حتى نزول قوات الأمن المركزي لمحاولة فض المظاهرة بالقوة, فتفرقت الجماهير و ابتدأ التخريب في أقسام الشرطة و مقار الإتحاد الإشتراكي (كانت المقرات لا تزال موجودة).
و إنتهت الإنتفاضة بنزول الجيش إلى الشوارع و فرض حظر التجول لأول مرة بعد ثورة يوليو, و أمسك الجيش زمام الأمور بشكل فعلي, لدرجة أنه عندما ألقوا القبض علي في الساعة 12 من مساء يوم 19 يناير, كانت قوات الجيش توقف سيارة الشرطة بعد كل فترة و يظهر ضابط الشرطة لهم بطاقته و تصريح الحركة الخاص به !!
كان إرتفاع الأسعار هو السبب المباشر و بالإضافة إلى ذلك كانت هناك أسباب سابقة تبللورت إبتداء من عام 1970 و حتى عام 1977, فكانت هناك أزمة ديمقراطية, و أزمة إقتصادية خاصة بعد سياسة الإنفتاح الإقتصادي, لم يشهدها الشعب المصري حتى أثناء الحرب, فبعد نكسة 67 وجه النظام المصري بقيادة عبد الناصر كل الطاقات للحرب و مع ذلك لم تحدث أزمة إقتصادية مثل تلك التي حدثت بعد الإنفتاح, بالإضافة إلى ذلك كانت الأزمة الوطنية و غضب الجماهير من عدم ترجمة النظام المصري للإنتصار العسكري في حرب أكتوبر إلى إنتصار سياسي.

إذا كانت إنتفاضة الخبز قد بدأت عفوية, فكيف إقترنت باليسار المصري ؟

عمليا جزء مما حدث في يناير 1977, كان بسبب الوعي الذي خلق في الشارع المصري بعد هزيمة 67, و بعد موت عبد الناصر, و بدأت في هذه الفترة المظاهرات و الإضرابات العمالية و الطلابية, و التي كان لليسار الدور الرئيسي فيها.
أضف إلى ذلك إنتخابات 1976 و التي كانت بمثابة "سوق عكاظ", حيث أن معظم الأحزاب الماركسية السرية رفض دخول حزب التجمع بعد إعلانه مباشرة, و من ثم قدمت كل الأحزاب اليسارية السرية مثل المطرقة, التيار, الحزب الشيوعي المصري, العمال بالإضافة إلى التجمع مرشحين لمجلس الشعب, فكانت كل البرامج الإنتخابية و خطابات المرشحين يسارية, هذا بالإضافة إلى أن كل الذين قادوا تلك المظاهرات كانوا من اليسار المصري.

و كيف تعامل النظام المصري مع اليسار في ذلك الوقت ؟

كنت وقتها أمينا للعمل الجماهيري و أمين الحزب في القاهرة, و في صباح 19 يناير بدأت تتوالى الأخبار عن حملة الإعتقالات, و كان أول خبر هو إعتقال فيليب جلاب صباح يوم 19, و بدأ التليفزيون حملته ضد اليساريين مؤكدا أن "الشيوعيين و مدعي الناصرية" هم الذين يقودون تلك المظاهرات, و بالليل طلع بيان ممدوح سالم في مجلس الشعب يتهم فيه "التجمع و الشيوعيين و مدعي الناصرية" إتهاما صريحا بتنظيم تلك المظاهرات, و ليلة 19 يناير بدأ القبض بالتليفون, بمعنى أن أمن الدولة كانت تتصل بالنيابة تليفونيا و تبلغهم بأسماء الأشخاص الذين سيتم إعتقالهم, و توافق النيابة تليفونيا, و بعد ذلك يتم عمل البلاغ الذي كان من المفترض تقديمه إلى النيابة أولا, و تقدم النيابة موافقتها عليه.

ما هي قصة البرقية الشهيرة التي أرسلها التجمع لقياداته في المحافظات و التي كانت ركنا أساسيا في الإتهامات الموجهة لقيادات التجمع بالتدبير للإنتفاضة ؟

في صباح 19 يناير كتبت بصفتي أمين العمل الجماهيري برقية لقيادات الحزب في كل المحافظات, أقول لهم تابعوا الموقف و أبلغونا أولا بأول و إبقوا مع الجماهير, و امنعوا وقوع أي أعمال تخريبية, عرضت البرقية على أ. خالد محي الدين و د. رفعت السعيد و وافقوا عليها, و وقع د. رفعت السعيد عليها حتى يتم إرسالها, لأن مقرنا كان في ذلك الوقت في مقر الإتحاد الإشتراكي, و كان هناك شخصا مسئولا عن "المبرقة" لا يرسل إلا بتوقيع شخص محدد من كل حزب من الأحزاب الثلاثة في ذلك الوقت.
بعد إرسال البرقية وصلت نسخة منها لمصطفى خليل فأرسل برقية أخرى تلغي برقية حزب التجمع على أساس أن البرقية الثانية صادرة من حزب التجمع أيضا, الطريف أن برقية حزب التجمع لم تصل إلا لمحافظتين فقط, و وصلت برقية مصطفى خليل إلى كل المحافظات, بعدها تم القبض على د. رفعت السعيد على اعتبار أنه أمين العمل الجماهيري لأنه هو الذي وقع على البرقية, إلا أن السعيد دافع عن البرقية, و لم يذكر أن أمين العمل الجماهيري هو حسين عبد الرازق و ليس هو.

و كيف تعامل النظام مع حزب التجمع تحديدا ؟

عندما أنشئت المنابر كان رهانهم على أن التجمع سيكون الجناح اليساري للإتحاد الإشتراكي, إلا أن بداية التجمع كانت ساخنة, و كانت الأزمة مبكرة, فبعد إعلان الحزب بأسبوع, تحدث سيد مرعي مع الأستاذ خالد محي الدين بخصوص الأزمة بين السادات و الإتحاد السوفيتي طالبا منه بيان من الحزب ضد الموقف السوفيتي, فأبلغه خالد بأنه لابد أن يعقد إجتماعا للهيئات القيادية للحزب لأن ذلك موقف سياسي, إلا أن مرعي رفض على إعتبار أن البيان "لازم النهارده", و قوبل ذلك برفض من الأستاذ خالد, و بدأت الحملة المنظمة ضد التجمع في الصحف و بالذات في أخبار اليوم, على إعتبار أنه حزب الشيوعيين العملاء الخونة!!.
الأزمة الثانية .. كانت الحرب الأهلية في لبنان, حيث أصدرنا بيان تأييد للجبهة الفلسطينية و القوى الوطنية اللبنانية, و دعينا المصريون للتطوع, و الذهاب لتقييد أسمائهم في مقرات التجمع, و قلنا أمه سيتم تدريبهم و بحث سبل إرسالهم, و بالفعل تقدم إلينا الآلاف من المتطوعين, فأصدر مصطفى خليل و كان أمينا للإتحاد الإشتراكي وقتها (فترة المنابر) بيانا رسميا يتهم فيه التجمع بتشكيل ميلشيات عسكرية.
بعد ذلك كان إضراب النقل العام, الذي حدث في اليوم الثاني للإستفتاء على تجديد رئاسة السادات, كان في وقتها إجتماع لأمانة الحزب في القاهرة, وجدنا عدد كبير من قيادات الإضراب و قد توجهوا إلينا في الحزب مع زملائنا أعضاء التجمع عمال النقل, و شرحوا لنا أسباب الإضراب و طالبوا بمساندتنا, و بالفعل قمنا بعمل بيان و تم توزيعه في نفس اليوم, فخرج السادات بخطبة ضدنا مباشرة و بالاسم على حزب التجمع متهما أعضائه بأنهم خونة و عملاء و ملحدين!!.
و بعد ذلك كانت أحداث إنتفاضة يناير, و الذي دفع التجمع على أثرها الثمن غاليا, فتم القبض على عدد كبير من قيادات التجمع و اتهامهم في قضايا الشغب و التنظيمات الشيوعية و التحريض على قلب نظام الحكم, بالإضافة إلى القبض على قيادات التجمع في المحافظات و محاكمتهم في قضايا شغب, كما تم إقتحام المقر أكثر منمرة من جانب قوات الأمن, و كانت الإستقالات بالآلاف و كان يتم نشرها كلها في صحيفة الأخبار, حيث تعرض زملائنا لحملات قمع و تهديد شديدة لإجبارهم على تقديم إستقالتهم, و كان معظم الإستقالات في المناطق العمالية حيث قاموا بحملة ضد عمال التجمع فكان على سبيل المثال لو أن عامل الإنتاج يحصل مثلا على مرتب 200 جنيه, و يعمل الساعات الإضافية فيكون إجمالي مرتبه 400 أو 500 جنيه, ما حدث مع هؤلاء العمال هو منعهم من العمل تلك الساعات الإضافية حتى يحصلون على المرتب الأساسي فقط, و قد أبلغ الأستاذ خالد محي الدين كل قيادات و أعضاء الحزب بأن كل من لن يستطيع تحمل التعسف و القمع الذي يمارس ضده فليقدم بإستقالته حفاظا عليه.

No comments: