Thursday, April 26, 2007

قوات الاحتلال الصهيوني محت قرية عربية كاملة من الوجود

كتب: أحمد بلال
بعد أسبوع واحد من اجتماع وزير القضاء الإسرائيلي "مائير شطريت" مع عدد من المواطنين العرب في النقب، و الذي تعهد فيه بحل قضايا الأرض في النقب, قامت السلطات الصهيونية يوم الأربعاء الماضي بإبادة قرية "طويل أبو جرول" العربية في النقب من الوجود, حيث قامت بهدم كل البيوت والخيام والحظائر و نقل أنقاضها إلى خارج القرية على شاحنات, و برغم ذلك لم توفر لسكانها بديل آخر.
عقيل الطلالقه, رئيس اللجنة المحلية في القرية, استغرب أسلوب التعامل الإسرائيلي مع عرب النقب بشكل عام و قريته بشكل خاص قائلا "بالرغم من أننا نمتلك هذه الأراضي غير أنهم يحرموننا من بناء بيوتنا عليها، في سنوات الخمسينيات قاموا بتهجيرنا من أرضنا الواسعة في الطويل إلى بلدة اللقية، ونحن اليوم نسكن على أراضي الآخرين في اللقية في ظروف صعبة للغاية من حيث الأراضي", و أضاف الطلالقة "ما كان لنا خيار سوى العودة إلى أرض الآباء والأجداد والسكن عليها, هنا في الطويل بكرامه وهذا حقنا الطبيعي الذي لا يملك أحد في الوجود حق مصادرته أو حرماننا من أرضنا".
و قال حسين الرفايعه، رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها، معقبا على عملية الهدم "إسرائيل تدعي أنها تعاني من الإرهاب وما قامت به اليوم يعتبر إرهاب دوله ضد مواطنين عزل يسكنون في أرضهم ووطنهم، وما قامت به أذرع الحكومة هو وصمة عار، فقد محت قرية كاملة عن الوجود".
قرية "طويل أبو جرول" ليست سوى حلقة من سلسلة جرائم صهيونية بشعة مورست ضد الشعب الفلسطيني, منذ أكثر من نصف قرن مارست فيها العصابات الصهيونية مدعومة من قوى الاستعمار أبشع أنواع المجازر في فلسطين, كانت سياستهم هي بث الرعب في قلوب العرب بعمليات بشعة من قتل و اغتصاب و هدم للمنازل, ليرموا الرعب في قلوب المواطنين الذين كانوا يهربون من قرية إلى أخرى, قرية "دير ياسين" التي قتلوا فيها 260 عربيا, و التي قال عنها مناحم بيجن أنه "لولا دير ياسين ما قامت دولة إسرائيل", أكبر دليل على تلك السياسة البشعة التي انتهجها الصهاينة في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.
و في النقب تتجسد مأساة الأرض و الإنسان, النموذج الحي لهذة المأساة, عشيرة العقبي .. و هي واحدة من تلك العشائر العربية التي لم تعرف لها أرضا أو وطنا سوى فلسطين, و يتركز أبنائها الآن في بلدة حور المحرومة من كل أشكال الخدمات, و التي تبعد 20 كيلومترا عن "العراقيب" بلدتهم الأصلية, في عام 1951 و بعد قيام الكيان الصهيوني بثلاث سنوات فقط, أبلغهم الجيش الصهيوني بأن عليهم ترك العراقيب لمدة ستة أشهر فقط, و ذلك لأسباب أمنية, ثم العودة إليها بعد تلك الفترة, إلا أن تلك الأشهر الست لم تنتهي حتى الآن بالرغم من مرور أكثر من خمسين عاما, و كانت كل محاولة من أبناء العشيرة للعودة إلى أرضهم تقابل بالعنف من الجانب الصهيوني على اعتبار أن تلك الأراضي "لا صاحب لها"!!!.
و في عام 1953 شرعت الحكومة الصهيونية قانونا خاصا يقنن استيلاء "الدولة" على الأراضي التي هجر منها أصحابها باعتبار أن أصحابها غير موجودون, حتى المسجد صادروه, الجامع الكبير في بئر السبع و الذي يرجع عمره إلى أكثر من نصف قرن من عمر الكيان الصهيوني نفسه تمت مصادرته ضمن أملاك الغائبين !!, و من ضمن تلك الأراضي كانت "العراقيب" في النقب, و لما كانت الأسطورة الصهيونية تقول أن فلسطين هي "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض", فكان على السلطات الصهيونية أن توزع أراضي عرب النقب على هؤلاء الذين جاؤوا من آخر بلاد الدنيا, ليقيموا في بلادنا و نصبح نحن لاجئين داخل الوطن.
أصحاب الأرض, يعيشون الآن فيما تطلق عليه حكومة العدو الصهيوني "قرى غير معترف بها", حوالي 45 قرية تفتقر إلى كل الخدمات التي تقدمها الدولة لهؤلاء المستوطنين, إلا أن أهلها يرفضون تركها و الانخراط في مسلسل "صهينة" كامل الأراضي الفلسطينية, "القرى غير المعترف بها" لم تسلم من المخطط الصهيوني, حيث تقوم "إسرائيل" بهدم تلك البيوت العربية على اعتبار أنها تم بنائها بدون ترخيص !!!.
لم تكتفي "إسرائيل" بالتهجير, بل عملت أيضا على محاربة عرب النقب في رزقهم, و ذلك حين أسس شارون عام 1976, و كان وزيرا للزراعة في ذلك الوقت, ميلشيات أطلق عليها "الدوريات الخضراء" إلا أنها لم ترتبط في أذهان عرب النقب سوى باللون الأسود, كانت مهمة هذه الميلشيات بجانب إرهاب عرب النقب و تهجيرهم هي الاستيلاء على مواشيهم و مصادرتها بحجة دخولها للمحميات الطبيعية, و هي الأراضي نفسها التي صادرتها "إسرائيل" من أصحاب الماشية أنفسهم!!, هذا بالإضافة إلى تجريف مساحات واسعة من الأراضي التي يزرعها عرب النقب.
و لما كنا في زمن انقلبت فيه كل المفاهيم, فأصبح النضال إرهابا, و الإرهاب أصبح دفاعا عن النفس, فقد أصبح الطبيعي فيه أيضا أن يتحول أصحاب الأرض إلى غزاة و محتلين, و من واجب الحكومة الصهيونية الدفاع عن "أراضيها" و طرد هؤلاء الغزاة منها!!, فسنت قانونا في عام 2004 لعرب النقب يسمى بقانون "طرد غزاة الأرض في النقب"!!, و بالطبع ليس المقصود هنا الغزاة الذين جاؤوا من كل بلاد العالم للإقامة على تلك الأرض, و لا هؤلاء الذين أقاموا مستوطنة "جبعوت بار" على "العراقيب" بلدة عشيرة العقبي, و إنما المقصود هنا أصحاب الأرض أنفسهم الذين هجروا منها ليعيشوا في قرى "غير معترف بها", و محرومة من كل الخدمات, ليفرضوا عليهم الإقامة في أماكن التوطين القسرية التي تحددها لهم حكومة العدو الصهيوني.
و قد قدم مؤخرا "نوري العقبي", رئيس جمعية مؤازرة و حماية حقوق البدو بالنقب, طلبا لمحكمة بئر سبع تناول أعمال الاستيطان و المصادرة التي مورست ضد أبناء القبيلة بعد قيام ما يعرف باسم "دولة إسرائيل", بهدف الضغط عليهم لترك أراضيهم, و التنقل في أرجاء النقب و السكن في قرى غير معترف بها "إسرائيليا", مما يجعلهم عرضة أيضا لحملات وزارة الداخلية الصهيونية الهادفة إلى هدم تلك المنازل, مثلما حدث في العام الماضي مع أبناء "عشيرة العقبي" في بلدة حور بالنقب, حين داهمت قوات الشرطة منازلهم بغرض هدمها و ألصقت أوامر الهدم الصهيونية على المنازل التي بناها الفلسطينيون فوق أرضهم, و كتبوا في تلك الأوامر "دولة إسرائيل ضد صاحب المبنى، قمت بالبناء بدون ترخيص وعليك القدوم لمفتش مراقب البناء وشرح الأمر خلال عشرة أيام".
و طالب العقبي في الطلب الذي قدمه إلى المحكمة بحق عرب النقب في استعادة أراضيهم التي هجرتهم منها "إسرائيل" منذ أكثر من خمسون عاما, و هو الأمر الذي أدى بهم في النهاية إلى التنقل بأرجاء النقب و الإقامة في قرى غير معترف بها من قبل الحكومة الصهيونية.
أبناء عشيرة العقبي لم يكتفوا بذلك الطلب المقدم لمحكمة بئر سبع و يختصمون فيه السلطات "الإسرائيلية" التي هجرتهم من أراضيهم, بل يتوجهون بين الحين و الآخر إلى أراضيهم المسروقة, يزرعونها فيحرثها الصهاينة ليعودون إلى زراعتها مرة أخرى, و يتوجهون أيضا لإقامة بيوت لهم على أرضهم, مما يثير جنون الصهاينة الذين يسارعون بهدمها و اعتقال من تطاله أيديهم, و يعود عرب النقب من عشيرة العقبي للبناء مرة أخرى.
إذا كان عام 1948 هو عام النكبة, نكبة فلسطين التي هجروا أهلها منها ليستولوا على أراضيهم, فإن عمليات التهجير و المصادرة التي تحدث ضد العرب في النقب, وسط تجاهل عربي تام كذلك التجاهل الذي قابل به العرب تهجير الفلسطينيين من باقي أراضيهم, لا تعني سوى شيء واحد هو أن "نكبة" النقب لا تزال مستمرة منذ أكثر من 50 عاما.

No comments: