Sunday, April 15, 2007

ثقافة الهزيمة .. و ثقافة المقاومة

ء * نشر بموقع عشرينات
كتب : أحمد بلال

تتار القرن الواحد و العشرين يدنسون تراب العراق .. نازيون القرن الواحد و العشرين يحرقون زهرة العرب في لبنان .. دمائنا العربية لم تجف منذ أكثر من نصف قرن على أرض فلسطين .. و بين كل هذه المذابح التي تمارس ضد شعبنا العربي، يخرج مثقفي السلطة في مصر رافعين شعار "ثقافة السلام"، شعارا لمهرجان القراءة للجميع هذا العام، و كأننا شعبا من الهمج، ألفنا القتل و الدمار و معاداة كل خلق الله، و كان واجب عليهم أن يعلمونا "ثقافة السلام"، و الحقيقة أنهم معذورون، فمثل هؤلاء لا يقرؤون إلا ما يكتب "الحاكم بأمره"، و لا يسمعون إلا ما يقول "الحاكم بأمره"، و لا يرون إلا إنجازات "الحاكم بأمره" ( إن كان هناك إنجازات أساسا )، و لا يكتبون إلا بفرمان من "الحاكم بأمره".
ثقافة الهزيمة و التي يطلقون عليها كذبا "ثقافة السلام"، هي نفسها الثقافة التي بدأها النظام الحاكم في مصر أثناء التمهيد لتوقيع اتفاقية الاستسلام مع العدو الصهيوني، ثم تلته بعد ذلك بقية الأنظمة العربية، و اليوم و بعد مرور قرابة الثلاثون عاما من محاولات نشر هذه الثقافة بين شعبنا العربي، لم يكن غريبا أن تشن حرب إبادة على شعبنا في العراق دون أي رد فعل أو لنقل في مقابل رد فعل متواضع، و لم يكن غريبا أن تمارس آلة الحرب الصهيونية عدوانها الهمجي على لبنان دون رد فعل عربي يتناسب مع الحدث، و ليس من الغريب أن يتبرأ الشباب العربي من عروبته، و ليس غريبا أيضا أن نجد من بيننا من يسب الوطن و الشعب إلخ .. إلخ .. إلخ.
و من هنا كان لابد لنا من العودة لثقافة المقاومة مرة أخرى، أما ثقافة المقاومة فهي ثقافة الإنسان والأرض والكرامة في مقابل ثقافة أنظمة عربية مهزومة تهدف إلى كسر الروح المعنوية لشعوبها وتحطيم إرادتها وإحباط عزيمتها.. هذه الأنظمة التي تمتلك الأسلحة فقط للاستعراضات العسكرية و حماية عروشها من شعوبها.
"أرض بلا شعب .. لشعب بلا أرض" .. كانت تلك هي الدعاية التي استخدمها الصهاينة للحصول على التأييد الدولي لاستعمار أرضنا العربية في فلسطين، قالوا للعالم أجمع أنه لا يوجد شعب اسمه الشعب الفلسطيني، و كالعادة صمت الجميع برغم علمهم بالحقيقة، و لكن الشعب الفلسطيني كذب تلك الدعاية، فالدماء الفلسطينية التي سالت على أرض فلسطين أكدت أن هناك شعب اسمه الشعب الفلسطيني، و أن هناك أرضا تغتصب اسمها فلسطين العربية، ثقافة المقاومة التي انتشرت و مازالت منتشرة بين شعبنا الفلسطيني، وحدها هي التي تثبت عدالة القضية، و وحدها هي التي ستحرر الأرض.
الفعل المقاوم في لبنان لم يكشف الأنظمة المتخاذلة و حسب، بل أكد على أن ثقافة المقاومة هي الطريق الوحيد لتحرير الأرض، كما أكد نجاح المقاومة، على أن قوة المقاومة العسكرية وحدها غير كافية لتحقيق النصر، و إنما يلزمها انتشار ثقافة المقاومة بين الشعب، حتى يحتضن الشعب المقاومة المسلحة، فاحتضان الشعب للمقاومة و إيمانه بها، يسد الطريق على محاولات العدو سواء العدو الخارجي أو أعداء الوطن الذين يتجنسون بجنسيته، الرامية إلى تفتيت الجبهة الداخلية، هذا بالإضافة إلى أن هذا الدعم و التأييد الشعبي للمقاومة و إن كان حتى بالكلمة، فهو يعمل على رفع الروح المعنوية للمقاومة المسلحة على خط النار مع العدو.
و "ثقافة المقاومة" ليست فقط ثقافة إعداد المتفجرات أو تفخيخ السيارات أو حتى الخبرة المكتسبة في تنفيذ العمليات الاستشهادية، و إنما هي مشروع حياة ضد كل أعداء الحياة، و لذا فالمقاومة قد تكون داخلية متمثلة في التصدي للظلم والقهر و القمع الذي يعاني منه شعبنا العربي، المقاومة هي التصدي لكل مفاهيم و مصطلحات الاستسلام و الانهزامية التي يعمل الإعلام الرسمي العربي على غسيل مخ شعبنا بها ليل نهار، ثقافة المقاومة هي البديل الوحيد لشعوبنا في مواجهة ثقافة الهزيمة التي يتمتع بها حكامنا.
و لذلك فإن "ثقافة المقاومة" .. ليست فقط الطريق الوحيد لتحرير الأرض، و إنما الطريق الوحيد لبقائنا على هذه الأرض كبشر لهم حقوقهم التي خلقوا بها، مفهومها شامل بل و يفقد معناه إذا نظرنا إليه من زاوية واحدة، و نتجاوز ذلك فنزعم أن بعض الأنظمة العربية تسعى بالفعل أن تصور لنا المقاومة أو تختزلها في صورة واحدة فقط و هي الكفاح المسلح الذي يجب أن يكون على أرض فلسطين، و من ثم ننسى كل همومنا و مشاكلنا الداخلية أمام همنا القومي، و هو ما يضمن لهم البقاء على عروشهم مدى الحياة، و نغرق نحن في همومنا مدى الحياة أيضا.
و استمرارا في فرض ثقافة الاستسلام علينا و على غيرنا، تعمل الولايات المتحدة ليل نهار على عزل كل الدول و الأنظمة و المنظمات التي تعلن عدائها للولايات المتحدة و الكيان الصهيوني، أو حتى ترفض ما تمليه عليها الولايات المتحدة، و التهمة جاهزة دائما .. الإرهاب، و إن كانوا هم إرهابيون فمن يناصروهم إرهابيون أيضا، و لذلك تعمل الولايات المتحدة على عزل حركات المقاومة عن شعوبها حتى يسهل ضربها و إبادتها، فشعوب بلا ثقافة مقاومة هي شعوب خانعة ترضى بالواقع مؤمنة أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، مهما كان ما كان.
و في مقابل ذلك كان النموذج الفنزويلي في الرد على المحاولات الأمريكية لنشر ثقافة الاستسلام، و كانت تليسور .. القناة التليفزيونية اللاتينية التي تهدف إلى "محاربة الإمبريالية الثقافية التي تمثلها وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية"، و التي يقول عنها الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز أنها "تعبير عن يقظة شعوب المنطقة"، و أنها تهدف إلى "تقديم رؤية وصوت مازالا مغيبين".
قناة تليسور التي اشتركت عدة دول تؤمن جميعها بثقافة المقاومة في رأسمالها، حيث دفعت فنزويلا 51% من رأسمالها، الأرجنتين 20%، كوبا 19%، وأوروجواي 10%، هي إحدى الوسائل المستخدمة ليس فقط في التصدي للإعلام الرأسمالي الذي يروج لثقافة الهزيمة و الاستسلام لمتطلبات العصر الصهيوني الأمريكي، و إنما لنشر ثقافة المقاومة و ليس فقط في بين شعوب أمريكا اللاتينية، بل في الولايات المتحدة نفسها، حيث يصل إرسالها للشعب الأمريكي.
و في وطننا العربي، تأتي "الشرق أوسطية" مشروع شيمون بيريز لتركيع المنطقة، و الذي أتى إلينا في ثوب جديد سمي بمبادرة كولن باول "لنشر الديمقراطية" في "الشرق الأوسط"، ثم الشرق الأوسط الكبير، و أخيرا الشرق الأوسط الجديد الذي بشرتنا به القبيحة كوندليزا رايس، و كلها محاولات لدق المسمار الأخير في نعش "ثقافة المقاومة" في الوطن العربي، أرادوا من خلالها أن "يعلمونا الديمقراطية" لنقبل الآخر الذي هو "إسرائيل"، محوا إسم فلسطين من على الخريطة و كتبوا مكانها "إسرائيل"، لينشأ الجيل الجديد على ثقافة الهزيمة و التطبيع، و قريبا سيطبعون لنا كتبا و قواميس و معاجم لا تعرف لكلمة المقاومة أو الكفاح أو النضال طريقا، و يبدوا أن نسخة من هذه المعاجم قد وصلت بالفعل إلى الهيئة العامة لقصور الثقافة التي تسعى "مشكورة" لتعليمنا "ثقافة السلام" في الوقت الذي لا تجد فيه جثث شهدائنا من ينتشلها من بين الأنقاض.
"ثقافة المقاومة" هي مشروع حضاري لن تقوم لنا قائمة إلا به، و عبثا ما يحاول أن يوهمنا به البعض من أن المقاومة هناك يقوم بها المقاومون على الجبهة أو الإرهابيون كما يطلق البعض عليهم ، فهؤلاء المقاومون على الجبهة لن ينتصرون إلا بانتصارنا نحن في عواصمنا العربية، و لن يدحرون العدوان إلا عندما ندحر نحن حكامنا.

No comments: