Sunday, April 29, 2007

القفا .. و المثل الشعبي

نشر بموقع عشرينات
أحمد بلال

أمثالنا الشعبية معروفة بثرائها, فلن تجد أي موقف من مواقف الحياة بحلوها و مرها إلا و ستجد من بين تلك الأمثال الشعبية ما يلخصه أو يعبر عنه, بل أن الكثيرين منا لا يخوضون أي تجربة إلا بعد أن يكونوا استمدوا قرارهم من تلك الأمثال التي يعتبرها علماء الاجتماع معبرة عن خبرات الشعوب و المجتمعات.
و لما كان "القفا" هو أحد أهم العناصر في حياتنا المصرية, فقد كان من الطبيعي أن يلقي اهتماما واضحا في أمثالنا الشعبية, و قد يكون ذلك هو العزاء الوحيد لـ"ستاموني" في فيلم "الكيف" و الذي كان يشتكي مرارا من عدم اهتمام الفنانين بـ"القفا" برغم أنه "بيستحمل كتير أوي اليومين دول".
و من أشهر الأمثال التي استخدمت "القفا" هو "اللي ميحوجكش الزمان لوشه, بكره يحوجك لقفاه", و هو مثل يحض على إقامة علاقات جيدة مع الجميع, حتى هذا الذي تعتقد أنك لا تحتاج له في أي شيء اليوم, فعليك أن تتأكد أنك ستكون في أمس الحاجة إليه غدا, و في المقابل نجد مثل آخر هو "خدنا إيه من وشك عشان تدينا قفاك", و هو مثل يوجه إلى الشخص الذي لا يوليك اهتماما, حيث تؤكد له أنك لم تستفد منه إطلاقا حتى يعاملك بلا مبالاة, و يستخدم أحيانا للشخص الذي لا ينظر إليك أو يكون جالسا معك و ينظر بعكس اتجاهك.
"في الوش مراية و في القفا سلاية", و هو مثل شعبي يعالج قضية الأنانية, و هو يقال في الشخص الذي يتحدث أمامك بكل ما طاب من كلمات و مديح, و في غيابك يكون كالشوكة, و لا يتحدث عنك إلا بكل سوء, أما هؤلاء الذين يتحدثون بلا حساب, و لا يوجد على لسانهم أي رقيب, فقد خصتهم أمثالنا الشعبية بمثل تحمل فيه "القفا" خطأ اللسان فيقول "لولاك يا لساني ما انسكيت يا قفايا", و هو مثل يتحدث عن أن "القفا" هو الذي يتحمل نتائج خطأ الإنسان, و أن حفظ "القفا" و سلامته يبدأ من حفظ اللسان.
و عن الحموات نذكر مثل "جوزت ابني لبنتي, الوش وش بنتي و القفا قفا مرات ابني", و هو يعني أن أم الزوج تتحدث في البداية عن زوجة ابنها بأنها في معزة ابنتها نفسها, ثم يأتي بعد ذلك تصنيف المعاملة, فكل خير أو شيء جيد تفعله زوجة الابن فهو يرجع إلى أم الزوج التي اعتبرت زوجة الابن ابنتها, أما عندما تخطئ زوجة الابن أو تفعل شيئا مسيئا, فيكون الحديث هنا عن زوجة الابن الوافدة على الأسرة و التي لا تتحلى بقيم أم الزوج التي كانت منذ قليل أمها!!.
"سيب حبيبك على هواه, و لما ييجي إديله على قفاه", و هو مثل يحض على الصبر على المحبوب, و قد يمتد هذا الصبر إلى أي شخص آخر غير المحبوب, و يقال للشخص الذي يعاني من أن حبيبه أو أي شخص آخر يتعمد البعد عنه لفترة من الزمن, و النصيحة التي يقدمها المثل هي أنه عليك أن تتحلى بالصبر, و أن تترك هذا الشخص يفعل ما يريد, و عندما سيعود إليك مرة أخرى افعل به ما شئت, حتى و لو وصل الأمر أن "تديله على قفاه".
أما عن هؤلاء الذين يطلبون المستحيل فيقول المثل الشعبي "يا طالب الدبس من قفا النمس", و الدبس هو العسل الأسود, فمن يطلب العسل الأسود من "قفا" النمس, كمن يطلب المستحيل, لأن النمس حيوان شديد الحذر, و حاسة الشم عنده كبيرة جدا, تجعله يختفي بسرعة قبل وصول أي شخص إليه لدرجة تجعل من الصعب حتى رؤيته, و النمس في المثل, تعني الشخص الحذر الماكر, و هو يعني أن تأخذ شيئا من هذا الشخص على غفلة أو من "قفاه" لأن حذره يجعله دائم اليقظة.
و من أمثالنا الشعبية الأخرى التي تتحدث عن القفا "شوكي في قفا غيري" و "الدفا عفا و البرد لحاس القفا", و في حياتنا اليومية الكثير من التعبيرات التي نستخدم فيها "القفا", و قد يرجع ذلك إلى القيمة الكبيرة التي يمثلها "القفا" في حياة المواطن المصري, فنقول مثلا "هجيبه من قفاه" و هو تعبير يدل على قوة الشخص المتحدث و تحقير من شأن الشخص المراد به الحديث, و أيضا "على قفا مين يشيل" و هو تعبير يدل على الكثرة, و "رجع قفاه يقمر عيش" و تدل على خيبة الشخص المراد به الكلام, حيث فشل في الحصول على ما يريد فسخن "قفاه" لدرجة تجعل من السهولة "تقمير" العيش عليه, و نقول أيضا "شايفني مختوم على قفايا" و هو تعبير يدل على أن الشخص الذي يتحدث شخص يقظ و "مفتح" و لا يمكن استغفاله.
حتى التكنولوجيا الحديثة, استعملناها بطريقتنا الخاصة, أو لنقل بثقافة "القفا", فنجد الكثير من رسائل الـ"sms" التي يتبادلها الشباب عبر أجهزة تليفونهم المحمول تتعلق بـ"القفا", فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد رسالة تقول "حبيبي طالع فيها فاكرني هدلعه, ياما نفسي يديني ضهره و على قفاه هلسعه".
"القفا" يحتل مكانة كبيرة في الحياة اليومية المصرية, فما بين الظلم الواقع عليه بشكل مادي بطريقة عرفها المصريون جميعا على يد الشرطة التي من المفترض أن تحافظ على كرامته أو بشكل معنوي عن طريق التهكم عليه, يقف القفا المصري شامخا لا يبالي بأي شيء, و إذا كان ستاموني في فيلم الكيف قد قرر الثأر "للقفا" على اعتبار أنه "بيستحمل كتير", فإننا ندعو لحملة شعبية مصرية كبيرة لجمع تراث "القفا", و الذي سيجدون أغلبيته قابعة داخل أقسام الشرطة المصرية.

No comments: