Sunday, April 15, 2007

بعد 50 عاما على التأميم .. عبد الناصر يظهر في بوليفيا

ء* نشر بموقع عشرينات

كتب : أحمد بلال

في القاهرة .. لم يعد يرتفع صوت .. "قرار من رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية"، في القاهرة .. لم يعد يرتفع صوت "لن نمكن منا تجار الحروب .. لن نمكن منا المستعمرين .. لن نمكن منا تجار البشر .. سنعتمد على سواعدنا و على دمائنا و على أجسامنا"، في القاهرة الآن ترتفع أصوات عديدة .. تطالب بالقضاء على ما تبقى من القطاع العام و هو أموال ملكا للشعب المصري و لم يرثها أحدهم عن أبيه، في القاهرة ترتفع الآن أصوات .. تؤكد و تقسم بكل ما هو مقدس (إن كان لديهم ما يقدسونه)، على أن الولايات المتحدة تحمل لنا كل خير و أتت إلى منطقتنا لتعلمنا الديمقراطية!!، حتى و إن كانت هذه الديمقراطية أتت معبأة داخل الدانات و الصواريخ، و القنابل الذكية التي لا تصيب إلا المدنيين.
لم يكن السد العالي مجرد مشروعا تحلم إحدى الدول المتحررة حديثا من نير الاستعمار تنفيذه، تحقيقا لأحلام و طموحات و مصالح الملايين من أبناء الشعب المصري، و إنما كان السد رمزا لمصر الثورة .. مصر عبد الناصر، كانت التقديرات تشير إلى أن التكلفة ستبلغ 200 مليون جنيه، مما أوجد حاجة ماسة لوجود ممول لبناء السد العالي، جرت المفاوضات و قبل الأمريكيين و البنك الدولي و حتى البريطانيين بتمويل السد، و لكنهم سرعان ما فرضوا الشروط التعجيزية على مصر، و التي انتهت بسحب الولايات المتحدة الأمريكية تمويلها لبناء السد العالي.
قناة السويس .. حفرها المصريون في السخرة .. و جرت فيها دمائهم قبل أن تجري فيها مياهها، و لكن كل ذلك لم يكن له ثمنا عند الرأسمالية العالمية، فنهبوا أموالنا بعد أن استباحوا دمائنا، و استولت بريطانيا و فرنسا على "الشركة العالمية لقناة السويس البحرية"، و التي وصلت إيراداتها في هذه الفترة إلى 35 مليون جنيه مصري، لم يفعل عبد الناصر شيئا سوى أنه قرر أن يعود الحق لأصحابه، و أن القناة بملايينها هي ملكا خالصا للمصريين، و أن هذه الدول التي تنهب أموالنا و تسرقنا في وضح النهار ثم تأتي لترفض مساعدتنا في بناء أحد أحلامنا عليها أن تنسحب من بلادنا اقتصاديا بعد أن انسحبت منها عسكريا، و أن تدخل الملايين التي تحصلها القناة إلى خزانة الدولة لبناء السد العالي.
26 يوليو 1956، يوما لن ننساه ما بقينا، و لن ينسوه ما بقوا، وقف الرئيس جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية، محاطا بالآلاف من أبناء الشعب المصري، سرد عبد الناصر في خطبته تاريخ قناة السويس، و فجأة أعلن الرئيس قراره "باسم الأمة .. رئيس الجمهورية .. تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية .. و ينتقل إلى الدولة جميع ما لها من أموال و حقوق و ما عليها من التزامات"، و لم يكن عبد الناصر قد انتهى من خطابه بعد، حتى كانت الشركة قد أممت بالفعل و سيطر عليها الجيش المصري، فقد كان كل شيء جاهزا .. كان الجنود المصريون ينتظرون، ومعهم أوامر مختومة باحتلال مكاتب شركة قناة السويس ومنشآتها، و كانت كلمة السر للبدء في العملية هي "ديليسبس".
لم يكن قرار التأميم "مغامرة غير محسوبة" كما يحلو لبعض العاجزين وصف كل ما يكشف تخاذلهم، و إنما كان التأميم أحد الخطوات في خطة مدروسة بعناية، حيث كانت كل المعلومات تؤكد أن بريطانيا لا تملك من القوات في كينيا و قبرص و عدن( أقرب قواعد لها في المنطقة ) ما يكفي لشن هجوم فوري على مصر، و هو الأمر الذي سيتطلب وقتا للإعداد للقوات الكافية للهجوم، و في هذه الفترة تعمل مصر على تعبئة الرأي العام العالمي، و تهيئته للوصول على حل سلمي، مع وضع الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي، و المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة في الاعتبار.
و بالفعل احتاجت بريطانيا و فرنسا إلى ثلاثة شهور لبدء العدوان الذي شاركهم فيه الكيان الصهيوني، حيث بدأ العدوان في 29 أكتوبر 1956، و كانت هذه الفترة مناسبة لتحقيق الخطة المصرية في تعبئة الرأي العام العالمي، حيث صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة في جانب انسحاب القوات البريطانية والفرنسية والصهيونية، بلا قيد أو شرط، وأصرت الولايات المتحدة على إعلان وقف إطلاق النار، و خاصة بعد أن أرسل الاتحاد السوفيتي إنذارا إلى بريطانيا، فرنسا و الكيان الصهيوني بضرورة الانسحاب من الأراضي المصرية و إلا فإن الاتحاد السوفيتي سيكون مضطرا للتدخل العسكري، و بذلك نجحت خطة الرئيس عبد الناصر .. أممت القناة .. انسحب الغزاة .. و بنينا السد العالي.
و بعد 50 عاما من قرار التأميم في مصر .. يرتفع هناك و على مقربة من الولايات المتحدة و بالتحديد في بوليفيا، يرتفع صوت .. " أتينا إلى هنا في هذا اليوم التاريخي لنعبر عن مشاعر ورغبات الشعب البوليفي وهي تأميم الموارد الطبيعية من النفط والغاز" .. يرتفع الآن في بوليفيا صوت .. "من هذه اللحظة، سينتهي نهب الشركات الأجنبية لمواردنا الطبيعية، من هذا التاريخ، تؤمم كل مصادر الطاقة في ترابنا الوطني"، كان ذلك صوت إيفو موراليس صاحب أول قرارات تأميم في القرن الواحد و العشرين، في بوليفيا .. الدولة التي شهدت مقتل الثائر العالمي تشي جيفارا، الذي عاش حياته مناضلا من أجل الاشتراكية حتى انتهت حياته في هذا البلد الفقير، و لكن يبدو أن روح جيفارا كانت قد سكنتها، و ناضل فيها حتى بعد مماته ليأتي الشعب البوليفي بالاشتراكيين إلى سدة الحكم، و لكن هذه المرة عبر صندوق الانتخابات.
لم يكن قرار التأميم الذي اتخذه موراليس غريبا، حيث كان ذلك أحد النقاط في برنامج حزبه (الطريق إلى الاشتراكية) الانتخابي، و إن كان البعض اعتبر هذه الوعد الانتخابي مجرد وعدا لا يجرؤ أي مخلوق على تنفيذه، و خاصة في عالم يحكمه قطب واحد يكمن مركز قيادته في واشنطن، و لكن الغريب حقا أن ينفذ موراليس قرار التأميم بنفس الخطة التي نفذ بها الرئيس عبد الناصر قراره، ففي حين اختار الرئيس عبد الناصر يوم رحيل الملك يوما للتأميم باعتباره يوما وطنيا، اختار الرئيس موراليس يوم عيد العمال يوما للتأميم باعتباره يوما أمميا يحتفل به عمال العالم أجمع، عملية التأميم نفسها اتخذت نفس الأدوات التي اتخذها الرئيس عبد الناصر، حيث أصدر الرئيس موراليس أوامره للجيش و سلاح المهندسين في الجيش البوليفي بالسيطرة على الشركات المؤممة و رفع العلم البوليفي عليها، حتى الفترة الزمنية التي استغرقتها عملية التأميم كانت نفس الفترة التي استغرقتها عملية التأميم في مصر، فما أن انتهى الرئيس موراليس من خطابه حتى كانت المهمة قد انتهت بنجاح، و رفع على الشركات المؤممة عبارة "ممتلكات مؤممة .. ملكا للبوليفيين".
50 عاما مرت على مثل هذه الكلمات في مصر .. كلمات قد يكون البعض قد نساها، و مواقف يعمل البعض عن عمد على تشويهها، اتخذها إخوة لنا في الإنسانية طريقا لهم بعد أن عرفوا و قرروا أن يعملوا من أجل نهضتهم، فهل لها من عودة إلى أرض الكنانة ؟.

1 comment:

Anonymous said...

You write very well.